النظامان، فإن الكتاب والخطباء كلما تزييف النازية ومهاجمتها لوحوا أمامها بعلم (الحرية المطلقة والفردية التامة) دون أن ينتبهوا إلى التأثيرات والأضرار التي قد يحدثها ذلك في داخلية البلاد ونفسية الناس. على هذا الوجه تقوىّ الداء وتأصل، وصار الناس يمجدون (الحرية) تمجيداً مطلقاً ولو أدت إلى الفوضى، وينفرون من (التوحد) ولو أصبح ضرورياً لحياة الأمة، ويسترسلون في (الفردية) ولو تحولت إلى أنانية فتاكة. . . وفي الواقع أن مخاطر هذه الأمور لم تبق خافية على أنظار جميع الفرنسيين بطبيعة الحال؛ فقد ظهر بين رجال الفكر والسياسة مَن شَعَر بالأخطار التي ستنجم عن استمرار هذه الأحوال، ومن أخذ يعارض الإفراط في فكرة الحرية فيدعو إلى جمع الصفوف وتوحيد الكلمة، حتى ظهر من يحمل بعض الحملات على روح الفردية والأنانية. . . غير أن الدعايات التي ذكرناها آنفاً، كانت أثرت في النفوس تأثيراً عميقاً حتى صار الناس ينظرون إلى كل محاولة من هذا القبيل كضرب من ضروب النازية أو الفاشية، كما أخذوا يتهمون معتنقي مثل هذه الآراء بخدمة الأعداء وخياطة الوطن
وعبثاً حاول بعض الكتاب والمفكرين أن يرشدوا الناس إلى سواء السبيل بقولهم:(يجب أن نكره النازية من حيث سياستها الخارجية وحدها، ولم يشمل كرهنا لها جميع أعمالها وجميع خصائصها. . . ومهما كرهنا النازية من وجهة سياستها الخارجية فيجب ألا ننكر بأنها قامت بأعمال هامة في سبيل الإصلاحات الداخلية والتنظيمات الشعبية، وإن بعض تلك الأعمال الداخلية جدير بالأعمال وحري بالاقتداء. . .) غير أن أصوات هؤلاء المفكرين ضاعت بين صرخات الصارخين الذين ظلوا يهاجمون النازية من جميع الوجوه باسم الحرية. . . ويستخفون بجميع مبادئها وأعمالها باسم الفردية. . .
ولذلك استمرت في فرنسا الأمراض والنزعات السياسية والأخلاقية النفسية التي شرحناها آنفاً، خلال الحرب أيضاً. . . ولا شك في أن هذا الاستمرار كان أهم الأسباب التي أدت إلى الانهيار.
ومن الغريب أن دعايات (الحرية والفردية) المفرطة التي كانت انتشرت في فرنسا فأدت بها إلى الانهيار كما أسلفنا أثرت تأثيراً عميقاً في آراء عدد غير قليل من كتاب العرب. فراح بعضهم يردد تلك الدعايات بحماس شديد، حتى بعد ظهور أضرارها الفادحة للعيان