ثالثاً - يذكر الشاعر (محموداً) في مواطن كثيرة يقول:
يسلك محمود وأمثاله ... طريق خاقان وكنداج
أسُّر إن كنتُ محموداً على خلُق ... ولا أُّسرُّ بأني المَلك محمود
ما يصنع الرأس بالتيجان يعقدها ... وإنما هو بعد الموت جلُمود
لا كانت الدنيا فليس يسرّني ... أني خليفتها ولا محمودها
سيموت محمود ويهلك آلك ... ويدوم وجه الواحد الخلاَّق
فمن مُبلغ عني المآلك معشراً ... علياً ومحموداً وخانا وآلكا
فما أتمنّى أنني كأجلّكم ... ولكن أضاهي المقترين الصعالكا
وكلمة آلك فيما أظن، يريد بها المعري ألِك خان وهو لقب لبعض ملوك تركستان الذين قامت لهم دولة بين سنة ٣٢٠ وسنة ٦٠٩، والظاهر أن أول من لقب منهم ألِك خان هو نصر بن علي فاتح ما وراء النهر المتوفى سنة ٤٠٣. فهذا دليل على أن هذه الأبيات نظمت بعد هذا التاريخ. وأما علىّ المذكور في البيت فلم أعرف من هو إلا أن يكون علياً أسد الدولة أمراء بني مزيد تولى الملك من سنة ٤٠٣ إلى سنة ٤٠٨.
ومن محمود الذي كرر المعري ذكره وجعله مثلاً في الملوك وقال إنه يسرهّ أن يكون في منزلته، وإن الدهر سيبطش به كما بطش بالضعفاء؟
في تعليقات الطبعة المصرية أنه أمير إذ ذاك. ولا نعرف من تولى في تلك النواحي ذلك العصر إلا محموداً حفيد صالح ابن مرداس. ومحمود هذا تولى الإمارة سنة ٤٥٢ وخلع في السنة التالية، ثم تأمر مرة أخرى سنة ٤٥٤، فدامت له الإمارة حتى سنة ٤٦٨. فقد تولى بعد وفاة المعري.
ولا أدري لماذا أثبت الشيخ الميمني البيت الأول:(يسلك محمود. . . الخ) أولَ فصل من كتابه عن المعريّ عنوانه: (هو ووزير محمود بن نصر بن صالح). نقل في هذا الفصل ما يقال عن تدبير محمود هذا لقتل المعري وخلاص المعري بالدعاء. وهي خرافة مَروّية نفاها الشيخ الميمني وقال إن محموداً تولى بعد وفاة المعري كما قلتُ. فهل الميمني مع نفيه هذه الخرافة، يظن أن محموداً الذي في البيت هو حفيد صالح ذكره المعري قبل توليه الملك؟ لا أدري لماذا أثبت هذا البيت في فاتحة هذا الفصل.