للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

معالم الصورة الحسية أو المعنوية. وهذه خطوة مشتركة بين التعبير للتعبير، والتعبير للتصوير. . . مثال ذلك: (إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون). فإن كلمة (الدواب) تطلق عادة على الحيوان - وإن كانت تشمل الإنسان فيما تشمل لأنه يدب على الأرض - ولكن شمولها هذا للإنسان ليس هو الذي يتبادر إلى الذهن، لأن للعادة حكمها في الاستعمال. فاختيار كلمة (الدواب) هنا ثم تجسيم الحالة التي تمنعهم من الانتفاع بالهدى بوصفهم (الصم البكم) كلاهما يكمل صورة الغفلة والحيوانية التي يريد أن يرسمها لهؤلاء اللذين لا يؤمنون لأنهم (لا يعقلون)!

(وقد يستقل لفظ واحد - لا عبارة كاملة. . برسم صورة شاخصة - لا بمجرد المساعدة على إكمال معالم صورة

تسمع الأذن كلمة (اثاقلتم) في قوله: (يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثَّاقلتم إلى الأرض؟) فيتصور الخيال ذلك الجسم المثّاقل، ليرفعه الرافعون في جهد فيسقط من أيديهم في ثقل. إن في هذه الكلمة (طنّا) على الأقل من الأثقال!

(وتقرأ: (وإن منكم لَمَنْ لَيُبَطِّئنَّ) فترتسم صورة التبطئة في جرس العبارة كلها - وفي جرس (ليبطئن) خاصة وإن اللسان ليكاد يتعثر وهو يتخبط فيها حتى يصل إلى نهايتها)

(وتتلوا حكاية قول هود. (قال أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعُمِّيت عليكم أنُلْزُمكموها وأنتم لها كارهون؟) فتحس أن كلمة (أنلزمكموها) تصور جو الإكراه بإدماج هذه الضمائر في النطق وشد بعضها إلى بعض، كما يدمج الكارهون مع ما يكرهون، ويُشدون إليه وهم منه نافرون!)

وهكذا. . .

وفي هذا الفصل عند استعراض آفاق التناسق الفني في القرآن ضربت الأسئلة الموسيقية التصويرية التي تهيئ الجو العام في مثل:

(والضحى. والليل إذا سجى. ما ودعك ربك وما قلى. وللآخرة خير لك من الأولى. ولسوف يعطيك ربك فترضى. ألم يجدك يتيماً فآوى. ووجدك ضالا فهدى. ووجدك عائلاً فأغنى. . .)

فهنا إيقاع موسيقي هادئ لطيف يصور الجو العام الذي نعيش فيه معاني السورة. وهو

<<  <  ج:
ص:  >  >>