للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي شيء آخر محبوب أكثر من الكتب.

قال لي صاحبي ذات مساء وقد عاد من رحلة في تسلق الصخور: (لقد وجدتها، لقد وجدتها).

كانت نبرات صوته تدل في هذه المرة على شعور لم أتبين مثله في كلامه معنى من قبل، فقلت: وجدت من؟ من هي التي وجدتها؟

ولما لم يجب على سؤالي ولو بكلمة واحدة لم أعر تاء التأنيث اهتماماً لأني عرفت فيه نفوراً من الأنثى وسمعت حكمه الصارم على كل من يقترب منها.

تغيب عني في تلك الليلة فلم أر له وجهاً في غرفة المائدة ولا في قاعة الجلوس. وفي صبيحة اليوم التالي لمحته يهرول صوب وادي (أبولون) يحمل هراوة ليلحق بطائفة من النسوة ولم أرها انحدرت فيه قبله

من أين أقبلت هذه الزمرة من النساء؟ ما علاقة صاحبي بهن؟ من هي التي وجدها؟ هل هي واحدة منهن؟ لا أدري!

الفندق الذي أقيم فيه محدود مساحة وارتفاعاً، أكاد أعرف نزلاءه بملامحهم ووجوههم واحداً واحداً، وواحدة وواحدة، من شيوخ وأطفال كأن عنصر الكهول والشباب لا وجود له ولا حساب، فمن أين أقبلت زمرة النساء التي لحق بها صاحبي واندمج فيها حتى صرت لا أرى له وجهاً لا في الصباح ولا في وقت تناول طعام الظهر أو العشاء؟!

نضوت ثوب البلادة، واطرحت الكتب جانباً، وقمت أسعى. هداني السعي إلى فندق ملحق بفندقنا قائم على مرتفع ليس ببعيد، تحجبه غياض الصنوبر عنا، وتعج فيه الحياة، ويصطخب مرح الشباب بأمواج من السرور، ورأيت صاحبي الدميم تحف به جماعة من فتيان وفتيات يقهقهون. تقدمت قليلاً وما كدت أدنو منهم حتى أحاطوا بي وأخذوا ينهالون علي بأقوال فيها ضحك ومزاح وعدم تورع في السخرية من شاب مثلي دأبه القعود والقراءة والنوم، وآفته الكبرى مصاحبة رجل تتمثل فيه الدمامة.

أدركت مبلغ تسامح صاحبي معهم في المزاح حتى تجرءوا علي أنا الذي لم أرهم قبل هذه اللحظة، وكالوا لي بذات الكيل الذي رضى هو به.

أنقذت موقفي بتصويب سخرية لاذعة إلى جمال أبرز فتاة، وإلى رجولة شاب مسكين في

<<  <  ج:
ص:  >  >>