الفترة مثالاً لحظ الأديب النكد، لا في دمنهور وحدها، بل في مصر جميعها، ولكنه استطاع بمعجزة ما أن يبني له بيتاً صغيراً، وأن يدخل أبناءه التعليم العالي. وعرفته في تلك الفترة صحف أخرى ومجلات كالهلال والمقتطف والسياسة والسياسة الأسبوعية والبلاغ والأهرام وغيرها، واستطاع أن يجد له معاشاً ضئيلاً من التكسب بالنشر والكتابة والقيام ببعض أعمال صحفية صغيرة لبعض الصحف الكبيرة. وكان يحاول أن يستر ذلك الجانب من حياته إذ كان يعتبره ناحية معاشية بحتة، ومن ذلك الكتابة الدائمة لبعض الصحف الإقليمية، ولم يكن ينشر شيئاً من ذلك باسمه. وقدرته جماعة (أبوللو) التي كان يرأسها المرحوم شوقي وسكرتيرها الدكتور أبو شادي، فكان لا يخلو عدد من أعداد مجلتها من قصيدة له. وكانت تطلب منه الهيئات العربية والجمعيات الإسلامية قصائد لحفلاتها، فكان الإبداع يواتيه ولا ينزل به أبداً إلى تكلف المناسبات المعروفة، لأنه كان يعبر عن عقيدة وإيمان. وقد طُلب منه كثير قصائد لمناسبات شخصية أو سياسية تخالف مبادئه أو آراءه، فما رضى لقلمه أن يرتخص ولا لشعره أن يهون، برغم سخاء الطالبين وأمانيهم له وشدة حاجته.
رحمه الله! لقد عاش عفيف اليد واللسان، بعيداً عن مغانم السياسة، لا نعرف أن شعره جر عليه مغنما اللهم إلا إذا اعتبرنا تلك الجوائز التي ظفر بها شعره في مسابقات السيدة هدى هانم شعراوي ومسابقات الإذاعة البريطانية، ولا أعرف أثراً إيجابياً كتقدير له من إحدى الهيئات سواء أكانت حكومية أم أهلية أم من زملائه في النهضة الذين وصلوا إلى الحكم. وهنا أذكر بالثناء والتقدير تلك النفس الحساسة النبيلة للشاعر العاطفي عزيز بك أباظة إذ أحس بالواجب عليه كشاعر وحاكم عندما كان مديراً للبحيرة نحو زميل مهضوم الحق والجانب، فرعاه وألحقه مشرفاً على مكتبة بلدية دمنهور، وكان ذلك من عامين تقريباً.
وقد نظم أحمد محرم في حياته الأخيرة إلياذته الإسلامية التي عارض بها إلياذة هوميروس، وهي مجهود شعري ضخم يقع في عدة آلاف من أبيات الشعر العربي الرائع يعر فيه للتاريخ الإسلامي غزواته وحروبه، فهو ملحمة إسلامية لا نظير لها في الأدب العربي، وقد بعث بها لوزارة المعارف لتطبعها على نفقاتها، ولكنها - عافاها الله وعفى عن وزرائها الأدباء - الذين تعاقبوا عليا والإلياذة مهملة في أركانها لم يبت في أمرها حتى الآن، برغم مضى الأعوام، ومضى صاحبها، وقد نظم مجموعات إسلامية أخرى غير مقطوعات