للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وما مصير تراثنا العظيم من قرآن وحديث وشعر ونثر؟

سيصير أحاجي وألغازاً ولغة أثرية دراسة لا يفقهها إلا قلة ممن يشغفون بدراسة الآثار القديمة شأن اللغة اليونانية واللاتينية، فهما أصل اللغات الأوربية الحديثة ولكن لا يعرفها إلا الأقلون. ربما رأي المؤلف أن الأوربيين يترجمون روائع اليونان والرومان إلى لغاتهم الحديثة فلنصنع صنيعهم فنترجم حينئذ القرآن والحديث وروائع الشعر والنثر القديم إلى لغتنا الحديثة، وأعتقد أن هذه فكرة من الهوان بحيث لا يتجادل فيها قلمان.

- ٢ -

(وعندي أن بعض المميزات لما يقترحه عبد العزيز فهمي باشا من اتخاذ بعض الحروف اللاتينية في كتابتنا يعود إلى أن هذه الحروف تضمنا إلى مجموعة الأمم المتمدنة، وتكسبنا عقلية المتمدنين) ص ١١٧.

(والواقع أن اقتراح الخط اللاتيني هو وثبة إلى المستقبل، لو أننا عملنا به لاستطعنا أن ننقل مصر إلى مقام تركيا التي أغلق عليها هذا الخط أبواب ماضيها وفتح لها أبواب مستقبلها) ص ١٣٨

أما اصطناع الحروف اللاتينية في الخط العربي فإنه اقتراح صرعه النقد، فلا حاجة بي إلى ذكر مساوئ الموتى.

ولا أذكر أن في مصر مؤيداً آخر لهذا الاقتراح غير الأستاذ سلامة موسى. والجديد في تأييده أن اصطناعنا الحروف اللاتينية يضمنا إلى مجموعة الأمم المتمدنة، ويكسبنا عقليتها، ويغلق علينا أبواب ما ضينا، ويفتح أبواب مستقبلنا كما حدث في تركيا.

ولو أن التمدن وكسب العقلية رهينان باستعمال خط الأمم الراقية لسهل التمدن على كل أمة متخلفة عن ركب المدنية، فما عليها إلا أن يستعير حروف أمة أرقى منها لتبلغ شأوها، وتفكر على غرارها، حتى وإن اتفقت الحروف واختلفت اللغة وتباين النطق والمعنى!

ومعنى هذا أن جميع من يلبسون الملابس الإفرنجية قد تمدنوا، وأنهم يفكرون كما يفكر الإفرنج. وما الغرابة في هذا القياس، والزي ألصق بالمرء وأعظم تأثيراً في شخصيته من الحروف التي يكتب بها بين الحين والحين؟

لقد تحضرت الأمة العربية ولم تصطنع حروف أمة أرقى منها، وانفلتت أوربا من عقالها

<<  <  ج:
ص:  >  >>