للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

استمع إلى ما يقوله الشيخ حسين المرصفي في الوسيلة الأدبية عن البارودي وهو من أعرف الناس به: (محمود سامي البارودي لم يقرأ كتاباً في فن من فنون العربية، غير أنه لما بلغ سن التعقل وجد من طبعه ميلاً إلى قراءة الشعر وعمله، فكان يستمع بعض من له دراسة وهو يقرأ بعض الدواوين، أو يقرأ وهو بحضرته حتى تصور في برهة يسيرة هيئات التراكيب العربية يقرأ ولا يكاد يلحن. . . ثم استقل بقراءة دواوين مشاهير الشعراء من العرب وغيرهم حتى حفظ الكثير منها دون كلفة، واستثبت جميع معانيها، ناقداً شريفها من خسيسها، ثم جاء من الصنعة الشعر اللائق بالأمراء).

وقد فطن ابن خلدون قبل ذلك إلى أن الطريقة المثلى في تعليم اللغة المرانة وكثرة الحفظ والقراءة، لينطبع لسان المتعلم وفكره على اللغة، وقرر أن سكان الأمصار أشد إغراقا في اللحن من سكان البوادي؛ لأنهم لقنوا أول الأمر لغة ملحونة فاعوجت ألسنتهم واختلطت لغتهم فالنحو وحده لا يكفي بل لابد من مخالطة الأعراب والتدرب على محادثتهم لأن اللغة ملكة والملكات لا تكتسب إلا بالتكرار والارتياض والمران، فقد كان العربي يحاكي أهله في نطقهم وتعبيرهم كما يحاكي الطفل أهله في النطق بالمفردات والتراكيب، وفي ذلك يقول ابن خلدون: (وهذا هو معنى ما تقوله من أن اللغة للعرب بالطبع أي بالملكة الأولى التي أخذت عنهم، ولم يأخذونها عن غيرهم).

ولهذا راى (فترينو) زعيم التربية الأدبية في إيطاليا أن أنجع حيلة لتعليم اللغة اللاتينية للأطفال أن يجعلها لغة المحادثة منذ الصغر يتفاهمون بها، ويتحدثون مع أستاذهم، على أنه عنى بتجويد نطقهم، وجودة إلقائهم، وتمثيلهم للمعاني.

ولهذا أيضاً كانت عادة العرب ولاسيما الخلفاء أن يرسلوا أولادهم إلى البادية لتنشئتهم على الفصاحة فيما ينشئون عليه.

فليس بدعا إذن أن يتعلم سبنسر اللغة الإنجليزية بدون قواعد.

وليس مستحيلاً ولا عسيراً في كثير أو قليل أن يتعلم أحد اللغة العربية أيضاً بدون قواعد، فقد كان هذا يحدث فعلا، وقد دعا إلى انتهاجه بعض المربين كابن خلدون. ليس الصواب إذن في إلغاء النحو، إنما الصواب في تبسيطه وتيسيره، وأن نتوخى سلامة التعبير فيما يسمعه التلميذ ويقرؤه، وأن نكثر من تمرينه وتدريبه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>