للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أرغى وأزبد وخرج من المجلس مغضباً وهو يتلو قوله تعالى ()

وشاع بين الناس ما اقدم عليه فأكبروه منه وحمدوا موقفه فيه، لاسيما وقد سرى إلى الأذهان أن الحكومة تريد هدم الشريعة لهذا المشروع، فانقلب ذمهم له مدحاً، وبغضهم محبة، ولكنهم لم يغنوا عنه شيئاً لان النظار احفظهم ما واجه به رئيسهم وحرك ذلك ما كان في صدورهم منه يوم أردوا منع الحج احتجاجاً بالوباء واستفتوه ليجعلوا فتواه عصا يتوكئوون عليها كلما أرادوا منع الحج وظنوا انه يوافقهمفاخلف ظنهم، وأفتى بعدم جواز المنع فكانت حادثته مع الوزير من احسن ما يتوصل به إلى التخلص منه، فشكوه إلى الخديو وطلبوا منه عزله، فاستدعاه يوم الثلاثاء ٦ المحرم سنة ١٣١٧ إلى مصيفه بالإسكندرية ومعه القاضي وألان لهما القول وناقشهما في تعديل الاقتراح، وتغيير ما يخالف الشرع منه، فأصر القاضي على الامتناع، وتكلم المترجم منتصراً له، فقال في عرض كلامه أن المحكمة الشرعية العليا قائمة مقام المفتي في اكثر أحكامها، ومهما يكن من التغيير في الاقتراح فانه لا يخرجه عن مخالفته للشرع لان شرط تولية المفتي مفقود في قضاة الاستئناف، ثم التفت إلى القاضي وسأله هل هو مولى من الخليفة أم من الخديو؟ فقال من الخليفة، فقال إذن يجب لمن يريد مولانا الخديو إشراكه معه ولو كان هلاً ثم انصرفا. وكان كلام المترجم فيه شيء من الشدة تألم منها الخديو فمال لرأي نظاره فيه، ولكنه أسرها في نفسه حتى حسم نازلة القاضي بالحسني، ثم اصدر أمره يوم السبت ٢٤ المحرم سنة ١٣١٧ بفصله من الأزهر والإفتاء، وإقامة ابن عمه الشيخ عبد الرحمن القطب النواوي شيخاً على الأزهر، والشيخ محمد عبده المستشار بالاستئناف الأهلي مفتياً للقطر، بعدما انتقل من مذهب الإمام مالك لمذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة.

ولما أشيع الأمر كثرت وفود العلماء والوجهاء على دار المترجم وانطلقت الألسن بمدحه والثناء عليه وتعلقت به القلوب، واقبل الناس عليه أي إقبال، وتحققوا أن ما كانوا يتهمونه به من قبل لم يكن إلا عن محض توهم. والحقيقة أن الرجل وان لم يبلغ شأو طبقته في العلم لم يعهد عليه ما يشين دينه ولا دنياه. بل عرف بالعفة، وعلو الهمة، ونقاء اليد من الرشى لولا جفاء يبر بعض الأحيان في منطقه، وشدة فيه يراها بعض الناس غلظة ويعدها البعض شهامة لحفظ ناموس العلم، خصوصاً مع الكبراء الذين أفسدهم تملق علماء السوء

<<  <  ج:
ص:  >  >>