هذه الحضارات المتباعدة أن نرى الحجاز ونجداً عربيتين في حضارتهما، بينما نرى أن أوربا وبلاد فارس والأناضول ومصر قد أثرت على حضارتي جانبي المثلث الشماليين.
الهجرة من وسط الجزيرة العربية
بينما نجد بادية الشام التي تشكل قلب المثلث تكون حاجزاً في طرق المواصلات بين سوريا والعراق، نراها واسطة الاتصال والنقل لسكان نجد أو البلاد السعودية. وأن تلك البقعة الممتدة من الحجاز إلى الخليج الفارسي آهلة بقليل من السكان يعيشون على زراعة النخيل في واحات متفرقة، وهم على الأرجح ينتمون إلى شعوب ما قبل التاريخ. وبالرغم من معيشتهم في أراض زراعية نراهم يجوبون الصحراء ويقطعونها، وبالعكس نرى أن أهالي سوريا والعراق الذين يعيشون في مناطق مملوءة بالسكان لم تبق لهم حاجة لقطع الصحراء لاستقرارهم في البلدان التي يقطنونها. وهكذا نجد أن الصحراء التي تقف في طريق المواصلات بين سورية والعراق هي طريق المواصلة بين سكان قلب الجزيرة وبين الأقطار الشمالية، وهي بالنسبة لهم كالبحر بالنسبة إلى الشعوب البحرية.
توجد مقابلة شيقة بين بادية الشام وبين القسم الشرقي من البحر الأبيض المتوسط. توجد على شواطئ الجانب الشرقي من البحر الأبيض المتوسط موانئ تحمل كلها طابعاً مدنياً واحداً. فإذا سرت من الإسكندرية إلى حيفا فبيروت فأزمير فالقسطنطينية تجد شبهاً كبيراً بين هذه المدن؛ مع أن هناك بونا شاسعاً بينها وبين المدن الداخلية. إن مصر وبلاد العرب وتركيا واليونان بلدان مختلفة ولكن ثغورها متشابهة. كما أن العرب قطعوا الصحراء وأنشئوا مدناً هي عمان ودمشق وحماه وحلب، وهي تحمل المدنية والطابع العربي. ولذلك فإن الإنسان يقدر أن ينظر إلى بادية الشام كبحر يقابل البحر الأبيض المتوسط الذي تحمل ثغوره مدنيته الخاصة، تقابلها مدنية عربية محضة على أطراف المثلث المحيط ببادية الشام أو الصحراء السورية.
الصحراء كحاجز حربي
إن هذه الصحراء التي رأيناها في بحثنا واسطة اتصال - نوعا ما - لسكان قلب الجزيرة العربية، نراها تقف حجر عثرة في سبيل الأعمال الحكومية أو العسكرية، فبينما نجد أن