سوق جيش من الأناضول إلى سورية أو العراق سهل، نجد الصعوبة كلها في سوق جيش من قلب الجزيرة يقطع مئات الأميال من القفار. وإذا ما ألقينا نظرة إلى تاريخ سورية والعراق نجد أنهما من بدء الميلاد حتى سنة ٦٥٠ للميلاد حكمها الرومان والفرس. ومع أن الهجرة الفردية من الجزيرة إلى هذين القطرين لم تنقطع فقد كانت تقوم صعوبات جمة في وجه أية حملة حربية يراد سوقها من الجزيرة إليهما. هذا فضلا عن سهولة الاحتفاظ بسوريا على الرومان من آسيا الوسطى، وبالعراق من إيران على الفرس.
لقد كان سكان تلك الأقطار عربا، وبالرغم من حكم الرومان والفرس فقد كانت ثقافتها عربية محضة؛ وقد قامت فيهما إمارات عربية صغيرة كإمارات الغساسنة في سوريا واللخميين على الفرات. إن ثقافة بلاد العرب كانت مستمدة من الجزيرة، وكانت القوة السياسية والحربية مستمدة من الأناضول وغيران. وهذا الموقف الذي لم يتغير أبداً يتلخص في أن العرب أقوياء بثقافتهم ضعاف بقوتهم الحربية، وهذا أمر يعزى أكثره إلى جغرافية الصحراء السورية
لقد غير الإسلام الوضعية، وذلك بتأثير الروح التي أثارها في العرب، فتمكنوا من التغلب على هذه الصعوبات وفتحوا سورية وإيران، ولكن لم تنقض فترة حتى ظهرت هذه الصعوبات مرة ثانية. لم يتمكن الخلفاء من البقاء طويلا في الحجاز واضطروا عند قيام الأمويين لنقل عاصمة ملكهم إلى دمشق، وعند قيام العباسيين الذين لم يرضوا ببقاء العاصمة في دمشق نقلت إلى بغداد وهكذا نجد أن العرب عندما كانوا حاكمين على المثلث بأجمعه، وعندما كان الإسلام في القمة عملوا على مقاومة هذه الصعوبات الجغرافية، أي الصحراء التي تلتف البلدان العربية الهامة حولها
رأس حلب
عند سقوط الإمبراطورية العربية وقيام الأتراك ظهرت حقيقة أخرى تتعلق بالمثلث، وهي ما يمكننا أن نسميه (رأس حلب) إن جانبي المثلث (جانبي العراق وسورية) يلتقيان في حلب، فإذا ما أراد أحد القطرين مساعدة الآخر وجب عليه قطع الممر الضيق المأهول بالسكان حول حلب، إذ لا طريق غيره - خلا طريق الصحراء - وبذلك نرى أن أي قوة حربية تنحدر من الأناضول إلى حلب يمكنها قطع خط المواصلة بين القطرين، أو أن أي