للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأسفها وتمنياتها إلى والدته. في تلك الليلة لم تنم، بل عادت بذاكرتها إلى حياتها كلها الفارغة من المتع وظلت تستعيد منظر الشفتين الممتلئتين والعينين اللامعتين الواثقتي النظرة. إن عينيه تلتقيان بذور الهناءة في حقل عمرها الأجرد، وشفتيه ترسمان بحركتهما السريعة خطوط حياة راقصة سعيدة تتمناها. لماذا ولدت ولماذا تعيش؟ لقد طالما حبرها هذا السؤال فكانت تجيب بأنها تعيش لعدالات. أما الآن فقد اهتدت إلى الجواب الصحيح. لقد قرأته في عينيه وسمعته في رنين ألفاظه، إنها خلقت له وإن حياتها وجدت لكي ترتبط بحياته.

واندفعت إلى خاطرها صور كثيرة، إن نظراته إليها كانت أكثر من مجرد نظرات، كان فيها توسل وأمر، وطاعة وعصيان، ومنى وأمل، وفيها دليل هوى ونجوى غرام. وسألت نفسها هل يتزوجها، وضغطت قلبها أصابع الفرح حين طاف به هذا السؤال وأجابتها نفسها: ولم لا؟ لعله لم يحضر إلا ليراك، وقد اتخذ من قصة البواب ذريعة لذلك. تذكري نظراته وابتسامته وضغطه يده على يدك وعادت تتساءل (وهل أرضى به) فأجابتها نفسها (نعم، أتظلين عانسا طول العمر؟ أم هل تظنين أن كل الرجال أدنياء كسامي زوج إنعام. أما تتوقين إلى رؤية أطفال لك يملئون بيتك بهجة. (ولكن أهذا هو الحب من أول نظرة) فوجمت نفسها قليلا وأجابت (نعم. بل كلا. هذا ليس حبا. إنه اللهفة التي تغمر الظمآن إذا أشرف على النبع الفرات، والنشوة التي تعمر القلب الضارب في الصحراء إذا اهتدى إلى الواحة، والراحة التي تفيض على الساهد إذا أوشك الكرى أن يغمض جفنيه. (وعدالات ما يكون شعورها إذا تزوجت؟) وللمرة الأولى تغيرت نظرتها إلى عدالات. لماذا تحطم هي حياتها لكي تسعد عدالات؟ إن إنعام لم تظل عانسا وهي تربيها، فلماذا تبقى هي عانسا من أجل ابنة إنعام؟ يكفي عدالات ما رأت من حنان، ويكفيها أنها ستظل لها كما كانت دائما ولكنها لن تحرم نفسها ليشبع الآخرون، ولن تكون الشمعة التي تحترق وعلى نورها تنصب العناكب شباكها وفي نارها تموت الفراشات الراقصة. وأغمضت عينيها ونامت ورأت نفسها في المنام تزف إلى حمدي.

وتكررت زيارات حمدي تصحبه والدته، فنجلس الجميع عدالات يسمرون ويتحدثون، وأخذت سنية تبالغ في التأنق وامتلأت ثقة بنفسها فتوردت وجنتها وزاد نشاطها والتماع

<<  <  ج:
ص:  >  >>