فصارت بعد قهر اليابان لروسيا عام ١٩٠٥ مسألة ثورة آسية على سادتها الأوربيين. فلم يكن الشأن هزم اليابانيين للروسيين، أو كسر دولة لدولة، بل كان شيئا عظيما غريبا هو انتصار عالم على عالم آخر، وثأرا بالإذلال الذي أريدت آسية أجيالا مديدة على احتماله، وأول أمل الشعوب الشرقية). وقد أفاضت الصحف اليابانية يومئذ كلامها في هذا المعنى حتى قالت إحداها:(كان المسلم به حتى الأمس القريب أن مسألة الشرق يجب ألا يحلها سوى الأوربيين أو الأمريكيين، ونحن نعرف من الآن فصاعدا أن اليابان تحلها والأوربيون والأمريكيون ملازمون المقام الثاني)
ذهبت الدول في الاستعمار إلى البلاد النائية. أما روسيا، فإن محلها الجغرافي جعلها تستعمر ما يجاورها متدرجة من بلاد جار إلى بلاد جارة، متجهة بحسب تقاليدها إلى الشرق الأسيوي وإلى الجنوب، ولم يعترض هذا التوسع عائق ذو شأن جدي حتى أوائل القرن التاسع عشر
كان الذي يهم إمبراطورية القياصرة، قبل كل شيء، هو الزحف التقليدي إلى قسطنطينية، وكان يبدو أن انتصاراتها على العثمانيين تضمن لها الفوز في نهاية الأمر بتركة الرجل المريض، فظنت روسيا بعيد منتصف القرن الماضي أن الفرصة سانحة وأثارت حرب القرم، لكن إنجلترا وفرنسا اعترضتا لها، فتقهقرت وانقطع عليها أحد سبيليها القديمين
ذلك سبب الجهود المتواصلة التي بذلتها روسيا في دعم سيادتها نهائيا على آسية الوسطى القريبة من الهند، لتحتفز وتتوثب على عدوتها إنجلترا، وفي توطيد سلطانها على القوقاز القريب من آسية التركية ليقصر طريق غزوها. ولما خابت الجامعة الصقلبية في البلقان اتجه الاستعمار الروسي إلى إيجاد جامعة أسيوية ليعتز بوحدة من القوميات، ثم ترددت روسيا بين أن تفتح نوافذها فتحا تاما على أوربة وأن تتوغل في آسية، وعالجت أن تقوم بالأمرين، فصادفت في زحفها إلى الشرق الأقصى خصما جديدا هو اليابان، على حين أخذت المنافسة الإنجليزية الروسية في الهدوء، حتى سكنت بعد انتصار اليابان على الروس، فجاءت معاهدة عام ١٩٠٧ التي قسمت إيران ثلاث مناطق: واحدة شمالية للنفوذ الروسي، وأخرى جنوبية للنفوذ الإنجليزي، والثالثة حيادية فاصلة بينهما، والنقط في كل منهما، وكان ذلك تأمينا لحدود الهند واستعدادا لمواجهة الألمان قبل الحرب الكبيرة الماضية