اختلاف فهم العلماء عن فهم الدراويش للدين؛ فالعلماء يأخذون الدين على إنه مجموعة القوانين والشرائع التي جاء بها القرآن الكريم والسنة، وبذلك يعتبرون أعمال الدراويش أنها نوع من الدجل والشعوذة. والواقع غير ذلك؛ فإن للدين مظهرين: مظهرا خارجيا أو ظاهريا هو الذي يتمثل في الشرائع ومختلف الأعمال التي يقوم بها الإنسان باسم الدين، وهذا هو المظهر الصوري الذي يتخذه العلماء لأنفسهم؛ ومظهرا باطنيا داخليا يعتمد على حال القلب والوجدان في التقرب إلى الله. وهذا المظهر يتخذه الدراويش. والمظهران في الواقع متكاملان؛ فالدين حالة عاطفية في القلب، كما هو أوضاع ظاهرية تظهر في مختلف العبادات، وفي ذلك يقول بليس (إن الدراويش يبحثون عن الله في قلوبهم، أما العلماء فإنهم يبحثون عنه في نصوصهم). فأعمال الدراويش ليست إذن بعيدة تماما عن الدين كما يزعم الفقهاء، وإلا فبماذا تفسر سكوت الخلفاء وسكوت نقباء الأشراف - ومنهم نقيب الأشراف الحالي - طيلة القرون الماضية على أعمالهم لو لم تكن من الدين؟
وعلاوة على ذلك، فإن للموالد فائدة أخرى توجب على المصريين أن يحافظوا عليها ويتمسكوا بإقامتها دائما، وهي فائدة اجتماعية سياسية لها أهميتها القصوى في بلد مثل مصر بلغ فيه مستوى المعيشة حدا من الانحطاط لا يبشر بخير لو لم يكن هناك ما ينفس عن الشعب الفقير المحروم بعض ما يعاني من ألم الفاقة والحرمان ويدخل عليه شيئا من السعادة. إن الروح المصرية روح مرحة بطبيعتها تميل إلى الانطلاق واللهو والعبث. والموالد هي الفرصة الوحيدة التي يتاح فيها لعامة الشعب الفقراء أن يتناسوا همومهم وضيقهم من حياتهم الحالكة. فمنع الاحتفال بالموالد ليس من الحكمة في شيء إذن، لأنه سيحرم الشعب مصدر سروره وبذلك يزيد من ثقل وقع الفقر على نفوسهم ويشعرهم بوطأة الحرمان مما قد يدفع بهم إلى الثورة على حكامهم الذين جمعوا في أيديهم كل الثروة وتركوا لهم الفقر كله. وفي التاريخ شواهد كثيرة على أن الأعياد الشعبية كانت أبدا عاملا يلطف حدة وقع الظلم على نفوس الطبقات الدنيا، وأن منع الاحتفال بهذه الأعياد ساعد على انفجار مشاعر الحقد الدفينة؛ ومن أكبر الأمثلة على ذلك الثورة الفرنسية الكبرى.
وعلى العموم فإن ماكفرسون يرى أن الحكمة تقضي على المصريين بأن يحتفظوا بأعيادهم وبمظاهر حيلتهم الشعبية الأخرى ويعتزوا بها كل الاعتزاز ويضنوا بها عن أن تضيع