وتتلاشى من موجة الحضارة الأوربية الجارفة؛ فإن هذه المظاهر تبين تماما خصائص الروح الشرقية، فلو أن المصريين سمحوا بضياعها وتلاشيها لكان نذيرا بضياع مصر وتلاشيها كدولة شرقية لها خصائصها ومميزاتها الذاتية التي تطبعها بطابع خاص يميزها عن غيرها من الدول.
- ٢ -
للمسلمين والنصارى في مصر موالدهم الخاصة؛ إلا أن كلمة (مولد) تنطبق على أعياد المسلمين الدينية أكثر مما تنطبق على أعياد المسيحيين؛ لأن المسلمين يهتمون في الواقع أكبر الاهتمام باليوم الذي ولد فيه (الولي)، ويعتبرونه حادثا جليلا يستحق التمجيد والاحتفال بعكس المسيحيين الذين يهتمون بيوم الوفاة ويعتبرونه يوم الميلاد الأبدي.
ولم تظهر الموالد الإسلامية - كما قلنا من قبل - إلا في القرن السابع الهجري بعد موت السيد أحمد البدوي. وقد كان السيد البدوي وليا من أشهر أولياء مصر، عرف بكراماته الباهرة حتى اعترف له أولياء مصر لعهده بالزعامة عليهم. وقد كان للسيد البدوي شهرة مدوية ليس في مصر وحدها بل في سائر البلدان الإسلامية الأخرى، وخاصة البلدان التي زارها؛ فقد جاب السيد شمال أفريقية، ورحل إلى مكة وأمضى هناك عشرين عاما يعظ الحجاج ويهديهم سواء السبيل؛ ثم سافر إلى العراق فالتف الناس حوله وأحاطوه بمظاهر الإجلال والإكبار حتى كان بعضهم يعده في منزلة الأنبياء. ولما رجع السيد إلى مصر ومات بها شاع خبر موته في أرجاء العالم الإسلامي، فتوافد الناس على مصر من جميع الأنحاء. وفي طنطا احتفلوا بجنازته احتفالا رهيبا؛ وفي العام التالي، بدلا من أن يحتفلوا بذكرى وفاته احتفلوا بيوم مولده. ولقد كان لاحتفال أهالي طنطا بمولد السيد أثر عظيم في نفوس أهالي دسوق ودمنهور، فأثار فيهم شيئا من الغيرة مما دفعهم إلى الاحتفال بمولد وليهم (سيدي إبراهيم الدسوقي)، على غرار ما فعل أهل طنطا. وبهذه الطريقة انتشرت الموالد من مكان لآخر حتى عمت مصر كلها وخاصة القاهرة.
وتعتبر القاهرة أسعد مدن مصر، بل أسعد مدن العالم الإسلامي أجمع نظرا لكثرة ما تضمه من رفات الأشراف والأولياء من نسل النبي (صلعم) وغيرهم؛ فالقاهرة في ذلك لا يضارعها حتى مكة نفسها؛ ففيها يوجد رأس الحسين وراس ابنه زين العابدين ورفات