وربما استطاعوا أن يحيطوه بالأسرار ويهيئوا له جو البحث في أمان من عيون التجسس والاستطلاع، ولم يتيسر ذلك بمثل هذه السهولة في بلاد البحث الحر والصحافة المطلقة والمناقشات التي لا تنقطع في الأندية العامة والمجالس النيابية
وكان قلق الذرة عند الألمان واليابان مسألة حياة أو موت، لأنهم لا ينتصرون بغيره كما ظهر من وقائع الحرب التي يشهدوها قبل أن نشهدها، ولم يكن فلق الذرة مسألة حياة أو موت عند الديمقراطيين، لأنهم قد انتصروا بغيره أو انتصروا قبل القنبلة الذرية وتلقوا عروض الصلح من اليابان قبل استخدام القنبلة الأولى ببضعة أسابيع
ومع هذه الضرورة الملحة، وهذه العناية البالغة، وهذه اللهفة العاجلة، حضرت العقول في بلاد الاستبداد فلم تصنع شيئاً في هذا الباب ولا قريبا من شيء، وعمل الديمقراطيون للحرب بعدهم بسنوات، فإذا بهم يستعدون لها بهذا السلاح ويشهرونه على أعدائهم وهو عندهم فضول وعند أولئك الأعداء طريق النصر - بل طريق النجاة الوحيد.
لم خابت عقول المخترعين في بلاد الاستبداد وأقحلت في بلاد الحرية؟ الاختلاف في طبائع العقول؟ أهناك تفاوت في مواهب الأجناس؟
كلا، لأن العلماء الذين عملوا لفلق الذرة منهم ألمانيون وروسيون وإيطاليون ودنمركيون، ومنهم من بدأ البحث ومن تقدم به إلى ختامه الموفق ومن كان له فضل الاقتراح الناجح منذ سنوات.
فليس المرجع في هذا إلى اختلاف في طبائع العقول، أو تفاوت في مواهب الأجناس، ولكنما المرجع فيه إلى سبب واحد جامع شامل وهو جناية الاستبداد على العقل البشري بجوه الخانق وسيطرته الغاشمة وسوء التوفيق بينه وبين الكرامة الفكرية التي يشعر بها المخترع ولا غنى له عنها في معرض ن معارض التفكير.
ولم يكن هذا المخترع فلتة أو مصادفة بين المخترعات الأخرى حربية كانت أو سلمية، ولازمة كانت في موعدها المطلوب أو غير لازمة. . . لأن القاعدة مطردة بغير استثناء يذكر في مخترع واحد من مخترعات هذا الزمن الحديث. وحسبنا أن نلحظ الفارق بين الطائرات الألمانية أو الإيطالية وبين الطائرات الأمريكية والإنجليزية مع استغناء الإنجليز والأمريكيين بالأساطيل البحرية واعتماد الألمان على الطائرة والغواصة لمقاومة المدرعات