صدرا وبين المتصوف الشهير على تباعد الوقت واختلاف العقيدتين - وهي التي جمعت بين الملا صدرا وبين بقية المتصوفة عموما. والظاهر أن الملا صدرا كان يؤمن بعقائد ابن العربي وبآرائه إيمان المقلد المعجب تراه يقتبس كلمات ابن العربي وأمثاله وأفكاره ويبثها في كتبه كما لو كان يقتبس من كتاب من الكتب المقدسة السماوية. ويدل ذلك في الوقت نفسه على اطلاعه الواسع على كتب ابن العربي ومؤلفاته على غموض العبارة وصعوبة الأفكار والأسلوب. وابن العربي من مبدعي مذهب (وحدة الوجود) في الإسلام والملا صدرا ممن يعتنق هذا المذهب ويدين به. يروى عن ابن العربي أنه كان يقول (كفر النصارى ليس بقولهم أن المسيح هو الله بل كفرهم لقولهم أنه ابن الله). وقال صدر الدين في أول رسالته سريان الوجود (ثم اعلم أن ذلك الارتباط كما مر ليس بالحالية ولا بالمحلية بل هي نسبة خاصة وتعلق مخصوص شبه نسبة المعروض إلى العارض بوجه من الوجوه وليس هي بعينه كما توهم. والحق أن حقيقة تلك النسبة والارتباط وكيفيتها مجهولة لا تعرف). وقال (الأٌقرب في تقريب تلك النسبة أعنى إحاطته ومعيته بالموجودات ما قال بعضهم من أن من عرف معية الروح وإحاطتها بالبدن مع تجردها وتنزهها عن الدخول فيه والخروج عنه واتصالها به وانفصالها عنه عرف بوجه ما كيفية إحاطته على ومعيته بالموجودات من غير حلول واتحاد ولا دخول واتصال ولا خروج وانفصال وإن كان التفاوت في ذلك كثيراً بل لا يتناهى ولهذا قال من عرف نفسه فقد عرف ربه).
وما الناس في التمثال إلا كثلجة ... وأنت لها الماء الذي هو فيه
فالملا صدرا على جادة ابن عربي في (وحدة الوجود) ويشاركه في آرائه الصوفية الأخرى. ولكنه كان من جهة أخرى حذراً جدا في كلامه لبقا في أساليب التعبير. وكان إذا أراد البحث في قضية من القضايا الحساسة تعمد التعقيد والإبهام والإجمال خوفا من الاصطدام بطبقة (المجتهدين) الذين ناهضوا التصوف والفلسفة والمتفلسفين واستحوذوا على الشاه وعلى بطانة الشاه.
استحوذ رجال الدين و (أصحاب الاجتهاد) على الرأي العام وتدخلوا في شؤون الحكومة حتى أصبحت الحكومة لهم والحكم في القضايا المدنية إليهم. وتغلبوا شيئاً فشيئاً على أصحاب الذوق وعلى رجال التصوف الذين استأثروا بالحكم في بادئ الأمر حين تشكلت