أحسب أنه هو نفسه يوافق على ذلك. والمترجمون الإنكليز كثيراً ما يتبعون طرقاً مختلفة في النقل، فقد قرأت عيون الأدب اليوناني كلها ملخصة في مجلد واحد وأفدت منها الكثير، وقرأت كتباً أخرى اجتزئ في ترجمتها ببعض فصول الكتاب دون البعض الآخر، ووجدت فيها متعة وفائدة، فالتلخيص جائز في الترجمة معروف في اللغات الأخرى، ومن حقنا أن نستعمله في العربية إذا اقتضتنا الضرورة ذلك
محمود محمود
بين القصة والشعر
قرأت كتاب (في بيتي) للكاتب الكبير الأستاذ (العقاد) ولعله من أعمق ما كتب، غير أنه لفت نظري فيه الموازنة بين القصة والشعر. فالقصة عنده دون الشعر في المرتبة، وهي أهون عليه من أن يضيع فيها وقتاً يمكن أن يقرأ فيه ديواناً من الشعر، وله في هذه المفاضلة مقياسان يحدثنا عنهما في كتابه فيقول: (غير أني اعتمد في ترتيب الآداب على مقياسين يغنياني عن مقاييس أخرى، وهما الأداة بالقياس إلى المحصول، ثم الطبقة التي يشيع بينها كل فن من الفنون.
فكلما قلت الأداة وزاد لمحصول ارتفعت طبقة الفن والأدب، وكلما زادت الأداة وقل المحصول مال إلى النزول والإسفاف. وما أكثر الأداة وأقل المحصول في القصص والروايات؟ أن خمسين صفحة منن القصة لا تعطيك المحصول الذي يعطيكه بيت كهذا البيت:
وتلفتت عيني فمذ خفيت ... عني الطلول تلفت القلب
أو هذا البيت:
كأن فؤادي في مخالب طائر ... إذا ذكرت ليلى يشد به قبصا
أو هذا البيت:
ليس يدري أصنع إنس لجن ... سكنوه أم صنع جن لإنس
أو هذا البيت:
أعيا الهوى كل ذي عقل فلست ترى ... إلا صحيحاً له حالات مجنون