للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أو هذا البيت:

وقد تعرضت عن كل بمشبهه ... فما وجدت لأيام الصبا عوضا

لأن الأداة هنا موجزة سريعة والمحصول مسهب باق، ولكنك لا تصل في القصة إلى مثل هذا المحصول إلا بعد مرحلة طويلة في التمهيد والتشعيب، وكأنها الخرنوب الذي قاله عنه التركي - فيما زعم الرواة - أنه قنطار خشب ودرهم حلاوة!

أما مقياس الطبقة التي يشيع بينها الفن فهو أقرب من هذا المقياس إلى أحكام الترتيب والتمييز. ولا خلاف في منزلة الطبقة التي تروج بينها لقصة دون غيرها من فنون الأدب، سواء نظرنا إلى منزلة الفكر أو منزلة الذوق أو منزلة السن أو منزلة الأخلاق. فليس أشيع من ذوق القصة ولا أندر من ذوق الشعر والطرائف البليغة. وليس أسهل من تحصيل ذوق القصة الشعري الرفيع حتى بين النخبة من المثقفين) وهذان المقياسان - كما يبدو - ليسا بالحكم الفصل في موضوع خطير كهذا.

فالمقياس الأول تحدث عنه علماء البلاغة والنقد، فكانوا يرون أن خير الكلام وأبلغه، ما جمع المعنى الكثير في اللفظ القليل، وهذا المقياس، وإن صلح للمفاضلة بين عبارة وعبارة أو بين بيتين من الشعر، أو قطعتين من النثر، في موضوع واحد، فإنه لا يصلح للمفاضلة بين القصة والشعر، وذلك أن فائدة القصة ليست مقصورة على الغرض الأساسي الذي وضعت من أجله، ولم تكن خمسون صفحة في قصة ما ولو بلغت الطبقة الدنيا في القصص تمهيداً لفائدة تقال في سطر أو سطر، ولكن هناك التصوير الرائع والوصف الدقيق، لحركات الأحياء، ونوازع النفوس وهناك النقد اللاذع لأوضاع المجتمع، وهناك الحديث اللذ الرفيع عن المشاكل السياسية والاجتماعية في أسلوب قوى أخاذ، وحسبنا هو من كاتب عبقري، ففي كل سطر بل في كل عبارة لذة ومتعة ربما لا نجدهما في أبيات كثيرة من الشعر، وقيمة الأسلوب في الآثار الأدبية ليست بالقيمة الهينة التي لا يحسب لها حساب، وقد تكون متعة القارئ بالأسلوب وفائدته منه، ومن هذه الإشارات العارضة في ثنايا القصة أجل وأرفع من الفائدة الأساسية التي تهدف القصة للوصول إليها.

ولم أفهم قط المفاضلة بين بيت من الشعر وبين خمسين صفحة من قصة، فإنه إذا كان الأثران صادرين عن نابغتين، فلا شك أن خمسين صفحة من قصة تعطينا من الفوائد أبلغ

<<  <  ج:
ص:  >  >>