إذا كان سكان العالم يقدرون بـ ٢٠٠٠ مليون نسمة، وإذا أخذنا معدل المستوى في بلد آسيوي أو أفريقي، فلا أقل من نصف العدد من هم ونساؤهم وأطفالهم في حاجة للكساء، بل يمكن نصفهم عراة، ففي الوقت الذي فيه نصف، أو قل ربع الإنسانية عار، كانت ملايين الأطنان أو آلاف الأطنان من القطن الخام يحرق في مزارعه. لماذا يحرق؟ من أجل نصف ريال يرتفع به سعر القطن ليدخل في جيوب المنتجين!
هذه إحدى المتناقضات، فلننظر إلى مثل آخر:
لا تزال مشكلة الغذاء تشغل العالم، وهي مشكلة مخيفة إذا علمنا أن عدد سكان مصر في القرون الوسطى هبط إلى النصف وأحياناً إلى الثلث من أثر هذه المجاعات. أما قلة الغذاء ونقصه، فيعرفها أهل مصر أكثر من غيرهم، فإذا كانت مشكلة الغذاء نعرفها هنا، فما رأيك بملايين من بني آدم في بعض الجهات لا يلقون سوى وجبة واحدة وضئيلة في اليوم الواحد، أي مكونة من قليل من الأرز والماء، ففي عالم فيه الإنسان محتاج لشيء من العطف والرحمة، أو لقليل من الوعي الإنساني ولشيء من التنظيم والصبر. نعم في هذا القرن العشرين كانت ملايين من المواد الغذائية التي تصلح لتكون غذاء. أي نعم كانت تحرق في القاطرات أو البواخر. . . لماذا؟ لكي لا يخسر زارعوها ربع ريال فقط!
هذه صورة الدنيا وهي لعمر الحق سوداء، حينما قامت الدعوة لمؤتمر اقتصادي عالم يلتئم في مدينة لندرة، ولم يكن اجتماعهم إلا بعد أن توالت النكبات، وتفاقمت الأزمات، وشعر الرأسماليون بنقص في الأموال، وضعف في الأنفس، وإفلاس في بيوتاتهم، فقرروا أن يتجمعوا وإن يتداولوا وإن يتحادثوا، وإن يراجعوا الأرقام ويقارنوا الإحصائيات، وكان معهم الخبراء وغير الخبراء، وما التأم شملهم حتى أخذ كل فريق يكيل الاتهام لغيره ويحمل الأخطاء على كتف سواه!
وتعود بي الذاكرة لبعض ما وعته نفسي: فأنى برغم جهلي بالتفاصيل المملة وعدم أيماني بعبقرية الاقتصاديين والخبراء، وعيت ما ذكره بعض غلاة الرجعية في إذاعتهم: أن بقاء روسيا تحمل وحدها سبع المعمورة قد أخل بالتوازن الاقتصادي العالمي، فهي السبب الأول للازمة؛ وقال آخرون: أن علاج الأزمة هو رفع مستوى الجماعات البشرية وإعطاؤها الفرص لكي تبيع وتشتري، وكثرت المقترحات وتفرعت اللجان، ثم توزعت الأعمال،