ولا داعي لشرح هذا الفرق، ولست أدري لم يزيد الأستاذ سيد هذه الكلمة هنا، وينقص الجملة الأخرى عند (قل هاتوا برهانكم)؟
٢ - أنه فهم من كلمة (يُنشرُون) أن الإشارة هو البعث فقط، وليس لإحياء والخلق بوجه عام بينما المادة تفيد الأحياء عموماً، ابتداء واستئنافا، وحينئذ لا يكون البعث - وهو قضية دينية أخرى تحتاج إلى إثبات - مسوقا لإثبات قضية التوحيد. وأنا قد وضحت (ينشرون) بهذا المعنى العام حين قلت: (فالإله وحده هو الذي يخلق ويحي وينشر الخلائق من الأرض. . .)
وما كان للقرآن أن يثبت (التوحيد) بالبعث مع أن الأخير لم يثبت بعد ولن يثبت في هذه الدنيا ولم يره المعارضون حتى يساق كدليل عليهم.
٣ - قول الأستاذ:(وليست لإحداهما (قضيتي التوحيد والبعث) سابقة على الأخرى بل هما مظهران لقضية واحدة تثبت بطرفيها أو تتهافت بطرفيها) قول غريب! فإن قضية التوحيد وقضية البعث كلتاهما مستقلة عن الأخرى. فبعض الأديان الوثنية الداعية إلى آلهة متعددة يدعو إلى الإيمان بالبعث ومصير آخر. . .
وبعض مقالات المؤمنين بالتوحيد لا يحتم البعث عل الله بل ترى أن ذلك محض رحمة منه تعالى ومساوقة لحكمته. (كتب ربكم على نفسه الرحمة: ليجمعنكم إلى يوم القيامة. . .)
فعقيدة التوحيد هي القضية الأولى في الإسلام، يثبتها العقل الكامل مستقلة عما عداها ولا يقبل منها بديلا. وهي قضية لا يعتمد في إثباتها على شيء غير هذا الكون الموجود الآن الذي يثبت ما فيه من تناسق وانسجام أنه من صنعة يد واحدة هي التي خلقت العين في جوف الرحم باستعداد ترى معه نور الشمس في السماء حينما تولد، وليس (البعث) من أدوات إثباتها هنا، لأنه له كونا آخر تبدل فيه الأرض غير الأرض والسموات.
وقضية البعث قضية تتصل بالمنطق الوجداني كما تتصل بالمنطق العقلي، لأنها من جهة قضية (سماعية) أتى بها الدين. واعظم أدواتها هو التعلق المشبوب بالحياة والقيمة السامية للإنسان، وانتظاره دائماً لمصير اكمل يتمتع فيه بالوجود الكامل الذي يرضي ما فيه من آمال السيطرة والكمال والخلود، وأنصاف الخير من الشر ومجازاة المحسن والمسيء، ومن جهة أخرى هي قضية عقلية تقتضيها حكمة الله وتنزيهه، والذي يرى أن الخير جزاؤه فيه