والشر جزاؤه فيه في الدنيا قبل الآخرة لا يرى حتما على الله أن يبعث الناس في حياة أخرى ليجزيهم، بل يرى ذلك رحمة منه وتكرما. وحسب الله في استحقاقه للعبادة أنه حلقنا من العدم لهذا الوجود، وأرانا هذا العالم العجيب، وأدخلنا إلى هذه الدار لحظة سواء كتب لنا الحياة ثانية أم ردنا وزج بنا إلى الفناء المطلق من غير رجعة!
فها نحن نرى أن قضية البعث لون آخر غير لون قضية التوحيد الصارمة التي لا تحتمل هذا الجدل. لأنها تستمد مقدماتها من هذا الكون المحسوس الملموس ومن الطبيعة البشرية المستقيمة التي تستجيب في يقين واقتناع لهذا الكون الواحد.
فالقول بالتسوية بين القضيتين في الثبوت أو التهافت قول غريب حقا. . .
(ب) يقول الأستاذ سيد معترضا على قولي أن التصور البشري لا يملك أن يجرد الآلهة من صفات الناس في الخلاف بين الرياسات المتعددة (أفلا يعلم أن القرآن ذاته قد كلف التصور البشري أن يؤمن بالله (ليس كمثله شيء) فكيف كان يكلفه هذا لو لم يكن في طاقة الإنسان أن يتصوره بوسيلة من الوسائل). .
وهنا أمر واضح في الفرق بين المسألتين: إذ أننا حين نثبت (الإله الواحد) يجب أن نعتقد أنه ليس كمثله شيء، وحين نرى أنه لا مانع من تعدد الآلهة نكون بالطبع قد قبلنا جواز أن يكون له مثل وشبيه، لأن الآلهة المتعددة أمثال وأشباه.
وحين يكلفنا القرآن أن نعتقد أن الله ليس كمثله شيء، لا يكون قد كلف التصور البشري أن يتصور الله بوسيلة من الوسائل كما يقول الأستاذ: لأن هذا تكليف باعتقاد سلبي تجريدي مطموس الصور، والمؤمن العالم ليس في ذهنه مطلقا صورة عن الله وإلا دخل في دائرة التشبيه والتجسيم المؤدى حتما إلى الكفر والجهل. وإنما في ذهنه إثبات الصفات الحسنى لله. أستبطئها من هذا الكون البديع، وقال أن خالقه لابد متصف بها. أما كيف تتعلق هذه الصفات بذات الله فذلك ما ليس للعقل البشري سبيل إلى تصوره لأنه محدود رهين بقيود التجسيم والتشبيه، (وكل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك). .
وإذا رفض الأستاذ سيد تفسيري لدعوى القرآن بفساد العالم حينما تتعدد الآلهة فكيف يفسرها هو؟ أيفسرها معتمدا على تلك (الصلة الخفية البديهية التي يعتمد القرآن على إيقاظها في الحس كالومض السريع فيؤمن المؤمن ويستريح!) وإذا كنت أمام غير مؤمن،