ومن هنا كان طبيعياً في الإسلام ما جاء به من أنه لا فضيلة إلا وهو يطبع عليها صورة الجنة بنعيمها الخالد، ولا رذيلة إلا وهو يضع عليها صورة النار الأبدية وقودها الناس والحجارة؛ فلا تنظر العين المسلمة إلى أسباب الحياة نظرة الفكر المنازع يحرص على ما يكون له، ويَشرَه إلى ما ليس له، ويمكر الحيلة، ويبدع وسائل الخداع، ويزيد بكل ذلك في تعقيد الدنيا - بل نظرة القلب المسالم بخلع الدنيا، ويسخو بكل مضنون فيها فيعف عن كثير؛ ويعرف الانسانية، ويطمع في غاياتها العليا، فيعفو عن كثير؛ ويدرك أن الحلال وإن حل فوراءه حسابه، وأن الحراموإن غر ليس إلا تعلل ساعة ذاهبة ثم من ورائه عقاب الأبد.
ويخرج من ذلك أن يكون أكبر أغراض الإسلام هو أن يجعل من خشية الله تعالى قانون وجود الإنسان على الأرض، فمن أي عطفيه التفت هذا الإنسان وجد على يمينه ويسرته ملكين من ملائكة الله يكتبان أعماله بخيرها وشرها، فهو كالمتهم المستراب به في سياسة النفس لا يمشى خطوة إلا بين جاسوسين يحصيان عليه حتى أسباب النيه، ويجمعان منه حتى نزوات الكبد، ويترجمان عنه حتى معاني النظر. وإذا قامتهذه المحكمة الملائكية وتقررت في اعتبار النفس - قام منها على النفس شرع نافذ هو قانون الإرادة المميزة، تزيد الحسنات وتعمل لها، وتخشى السيئات وتنفر منها، فإذا معا عضها بعضاً، لا لتحقيق الحكومة والسلطة، ولكن لتحقيق الخير والمصلحة؛ وإذا نواميس الطبيعة المجنونة في هذا الحيوان قد نهضت إلى جانبها نواميس الإرادة الحكيمة في الإنسان، وإذا كل صغيرة وكبيرة في النفس هي من صاحبها مادة تهمة عند قاضيها في محكمتها، وإذا كل ما في الإنسان، وما حول الإنسان - لا يراد منه إلا سلام النفس في عاقبتها؛ وإذا معني السلام هو المعنى الغالب المتصرف بالإنسانية في دنياها.
وكل أعمال الإسلام وأخلاقه وآدابه، فتلك هي غايتها، وهذه هي فلسفتها؛ لا يقررها للإنسانية حسْب، بل يغرسها في الوراثة غرساً بالاعتياد والمران الدائم، لتكون علماً وعملاً، فتمكن لسلام النفس بين الأسلحة المسددة إليها من ضرورات الحياة في أيدي الأعداء المتالبة عليها من شهوات الغريزة.
فليس يعم السلام إلا إذا عم هذا الدين بأخلاقه فشمل الأرض أو أكثرها، فان قانون العالم