تحسبنه حتما لزاماً أن يكون زعماء الاجتماع والسياسة أعظم من زعماء الفنون، لأن المعول على الكفاءة اللازمة للعبقرية لا على أثرها في مواطن الجاه والسلطان، وليست حاجة الناس إلى الشيء هي مقياس العظمة فيه لأن الناس يحتاجون إلى مقابل القمح ويستغنون عن اللؤلؤ والزمرد).
ثم تأمل حواره مع صاحبه في دلالة المطبخ على الأخلاق والتمييز بين (المطبخ الذي يستخدم للغذاء والذي يستخدم للذة الطعام) وتأمل تحديده لكنه التعصب الوطني المقبول من الفنان وتمييزه بين التشاؤم الباني والتشاؤم السلبي الهدام.
- ٤ -
ومما يأخذ نظر القارئ لهذا الكتاب وفرة الصور المادية التركيبية التي يستغلها المؤلف للإيضاح والإقناع كقوله:(أليس الذين يتعجلون النعم، فيخيل إليهم أن ازدحامها خير من تفرقها وأجمع لمحاسنها يخطئون كما يخطئ الذين يتعجلون النغم فيحسبون أن مائة لحن في وقت واحد خير من اللحم الفرد وأوفى؟ شيء واحد في وقت واحد، وجميع الأشياء في جميع الأوقات، وهذا هو نظام العيش وقوام الجمال في كل نفع وكل سرور).
ومن هذا القبيل قوله في معرض الفصل بين عبقرية كاتب القصة أو (الرواية) على حد تعبيره المستحدث وبين مقدار محصوله في الرواية: (إن الحديقة التي تنبت التفاح لا يلزم أن تكون في خصبها ووفرة ثمراتها أوفى من الحديقة التي تنبت الجميز أو الكراث، ولكن الجميز والكراث لا يفضلان التفاح وإن نبتا في أرض أخصب من الأرض التي تنبته وتزكيه).
ونشير إلى مثل ثالث دون أن نقتبسه وهو مثل القطار المندفع إلى هاوية يصلها بعد زمن محسوب. وقد مثل بهذه الصورة للنتيجة الحتمية التي زعمها المذهب الماركسي، ولكن في هذا المثل تهكما عقادياً لاذعاً وسخرية قاتلة تقابلها مرة أخرى في هذا الحوار الخيالي البديع الذي افترض الكاتب وقوعه بين خريستوف كولمبوس، وبين موظف المكتب الشيوعي حين يستأذنه في الخروج لرحلة الكشف.