ولكني أتأمل فيما كتبت فلا أجد إلا مدحا وتقريظا. ولقد عرف قاسم أمين قضاة حكموا ظلما ليشتهروا بين الناس بالعدل فإن ركبت شيئا من الحيف فليس طلبا لسمعة العدل وإنما هروبا من تهمة المحاباة. فلتدقق إذن عين النقد لعلها أن تظفر ببعض اللقى:
أ - لقد عرض المؤلف لقدرة الأمم على العمل والقول وقرر بحق إنه (لا تناقض بين القدرتين) ثم أرسلها قضية عامة حاسمة فقال: (انه لم توجد قط أمة عرفت كيف تعمل إلا عرفت كذلك كيف تقول) فهل النسبة محفوظة دائما بين القوتين؟ ولقد ضرب الأستاذ مثلا من أمة الإنجليز فقال إنهم في العصور الحديثة أطبع الأمم على مراس الواقع والعناية بالفكر العملي والخلائق العملية) ومع ذلك (فليس هناك أمة من جيرانهم ومنافسيهم سبقتهم في مضمار الشعر، وأنجبت نصف من أنجبوه من عباقرة الشعراء).
ولا اعتراض لي على هذا المثل ولكن ما الرأي في أمة اليابان؟ أترى عندها من (منتجات القول) ما يتكافأ وما عندها من منتجات العمل؟ وإذا وازنا بينها وبين الصين والهند من هذه الناحية فهل نصل إلى حل يعزز الأمثلة التي أوردها الأستاذ؟
ب - وأمر آخر: لقد سبق إيراد المفاضلة بين الأفغاني ومحمد عبده، ولكن المؤلف لم يقم الحجة في كتابه على هذا الترجيح أي ترجيح الثاني من جهة العظمة النفسية، وحين سبق إلى المؤلف اعتراض صاحبه الوجيه تخلص منه مجرد تخلص بارع ولكنه لم يهدم قوة الاعتراض. وأنا أعلم أن الرحلة سريعة وان حيز الكتاب ضيق، وأن الأستاذ المؤلف يود أن يخرج كتابا مطولا عن محمد عبده، - ولكني أرى بالرغم من ذلك كله أن واجب الإنصاف لشخص جمال الدين كان يقتضي المؤلف الإدلاء بحجته ما دام قد عرض للأمر وأدلى فيه بحكم.
ولم يفضل المؤلف محمد عبده من هذه الناحية على الأفغاني فقط، ولكنه فضله كذلك على سعد زغلول. وإني لأحس في دخولي بين سعد والعقاد فضولا فحسب؛ والعقاد كتابه الخالد عن سعد، ولكني مع ذلك ظللت من الوجهة العلمية جاهلا بحيثيات الحكم فغير مسلم به. هل يكتب لهذا الاعتراض أن يكون استحثاثا للأستاذ الكبير أن يسرع في إخراج كتابه عن الأستاذ الإمام فنقرأ فيه بيان هذا التفضيل؟
ج - وعرض الأستاذ للتفسير السيكولوجي لمؤيدي الشيوعية فرد تأييدهم إلى الحسد والحقد