سحنة مقطبة عبوسة كالبومة، راحت تمضي وقتها بين دجاجها تعنى به وترعاه في قفصه خلف الحانة. . . وقد ذاعت مهارتها في تربية الدجاج بين جيرتها. وكانت تتطفل على الولائم دون دعوة أو خشية لائم. . . ولا تجدها إلا حانقة صاخبة ساخطة على العالم بأجمعه. . . أما في الفينة الأخيرة فكل سخطها تركز على بعلها. كانت تحقد عليه لبشاشته ومرحه، لشهرته وصيته، لصحته ورهله. . . وطالما نعتته (بالماجن المحظوظ) لأن المال يأتيه طواعية دون كد أو جد في طلبه. . . أو (لأنه يأكل قدر ما يتناوله اثنا عشر رجلا. . . وقلما ينقضي يوم دون إثارة انفعالها وحنقها. . .
ابتدرته يوما صائحة: (انظر أيها النهم الشره. . . انظر إلى نفسك وأنت تسير كالكتلة البشرية. . . سوف تلتهم الطعام التهاما حتى يحل ذلك اليوم الذي تنفجر فيه بطنك كالحزمة من القمح، وقد انقطع رباطها. . .) فانطلق توان بقهقهة وهو يربت على بطنه في رفق وهوادة، وما لبث أن قال وهو يلوح بذراعه:(آه. . . أيتها (العصا الرفيعة) لست أدري ما الذي يمنعك من أن تسمني نفسك كما تفعلين مع دجاجك. . . أني لأتوق وأنت تقومين بذلك أيتها المرأة) ورددت الجدران بعد ذلك صدى الضحك الذي انبعث من أفواه الحاضرين. . . وقد جلسوا إلى الموائد الخشبية، فيوفر ذلك صدر المرأة بالغيظ والحنق فتندفع قائلة:(تبا لكم أيها الكسالى. . . فما يرجى منكم نفع ولا ضر) ثم تغادر الحجرة شامخة بأنفها، مصعرة خدها، مشيعة بضحكات السخرية والاستهزاء. . .
يبدو أن كل من كان على شاكلة توان، وقد حباه الله جسداً حادراً وكان ضيق الصدر لا يلبث أن يداعبه الموت مداعبة القط للفأر، ولا يلبث بعد هذه الضخامة أن يبذل عوده، ويسري الهلاك رويدا في بدنه، ويتسرب الموت إلى نفسه كما يسير اللص في هدأة الدجى. . . فيطوح أولاً بذلك الشعر المجعد، وينثني إلى الأعضاء الزائدة. . . ثم لا يلبث أن يذهب بما بقي. . . هذا ما يجعلنا نفغر أفواهنا دهشا لنقول:(يا إلهي! أيطوح الموت مثل هذا الحجم!)
ولكن المنية غفلت عن توان. . . غفلت عن منظره الضخم المثير للضحك. . . بل حبته صحة وقوة. . . حبته طلعة مبهجة مؤنسة، فكان ذلك يثير حنق زوجته فتصيح:(رويدك أيها الرجل، فسوف يأتيك منجله من حيث لا تدري. . .)