ألمت بتوان صدمة خلفته قعيد الفراش، مصابا بالفالج، ولزم المارد العجوز فراشه في غرفة صغيرة خلف الحانة. . . حيث كان في مقدوره أن يحس ويسمع ما يدور حوله، وأن يتبادل الحديث مع خلانه وراء الحائط. . . وعلى الرغم من أن جسده كان مقضيا عليه بعدم الحركة، فقد ظلت روحه الطروب على مرحها وسرورها. وكانوا جميعا يأملون في أن تسترد أعضاؤه القدرة على الحركة والتنقل ولكن آمالهم ذهبت أدراج الرياح. . . فحكم القدر على توان أن يمضي وقته في فراشه لا يغادره. . . ولم يحاول أن ينتقل من مضجعه إلا مرة واحدة، حيث استطاع بمساعدة اثنين من جيرته النهوض مستندا إليهم. . . لتبدل زوجته فراشه بآخر.
لم يكن يفارق مرحه وبشاشته إلا في حضور زوجته، فأنه كان يبدو وديعا رزينا كالطفل. . . كانت تقول له على الدوام (انظر إلى نفسك. . . انظر إلى تلك الكتلة العديمة النفع. آه! أنت تجلس في الفراش مستريحاً، وعلي أن آتيك بما تود. . .) فلا يسعه غير الصمت، وإغضاء طرفه، ويتحامل على نفسه لكي يجلس في فراشه. وكانت الحركة الفريدة التي يأتيها هو أن يتقلب ذات اليمين وذات اليسار. . . راح يستمتع بالإنصات إلى لغط القوم في غرفة الشراب، وإذا ما تعرف على صوت صاحب له صاح يناديه:(ألست (سلستن)؟! إني هنا يا بني) فيجيبه سلستن (أنا ذا يا توان. أما تستطيع أن تنهض وتأتي إلينا؟!) فيقول توان ثانية: (ليس في طوقي أن أنهض. . . ولكني في صحة جيدة. ولم أفقد عقلي بعد) وبعد هنيهة يدعو أصدقاءه المقرنين إلى غرفته. ويتمتع برفقتهم حينا، ولو أن منظرهم وهم يجرعون الخمر دونه يثير كوامن نفسه. . . وينغصه بعض الشيء. فيقول في تذمر:(أف لهذا الداء، فهو الذي يمنعني أن أتناول قطرة من راحي المعتق. يا لتعاستي).
وتظهر زوجته بغتة من النافذة فتصيح:(انظروا إليه. . . انظروا إلى (الماجن المحظوظ) لقد أخذت على عاتقي أن أطعمه وأصنع ثيابه. . . وأنظفه وهو جالس كالخنزير) وعندما يغيب وجه زوجته من النافذة، يقفز إلى حافتها بعض الدجاج حيث يعدوه في الصياح والتقاط فتات الخبز. ويغادره أصدقاؤه بعد أن يعدوه بالحضور في عصر كل يوم للتندر معه، ويستمعون إلى قعيد الفراش وهو يلقي عليهم فكاهاته التي تجعل الشيطان عينه ينطلق ضاحكا. . .