التزم في بعضه الوزن وأطلق الآخر حراً دون قيد، ومن ذلك كلمة للأديب (عزيز ضياء) عنوانها (عيد) يقول فيها بعد كلام طويل وصف فيه مغيب الشمس قبلة ليلة العيد. . .
ثم لما ابتلعها لحدها وغيبها دهرها
صاح في الروض طير
لقد ماتت ذكاء
فكان يوم قديم قد مر وكان شهر قديم قد انقضى
وجن جنون السحاب الحزين
فناح نواحا يثير الحنين
وراح يناجي الربى والحزون
يمزق فوق الربى وجهه
ويهرق فوق الثرى دمعه
ولم يرث قلب لتلك الدموع
ففاض المحب بأنفاسه
وراء الجبال وراء الحبيب. . . الخ
فلعلك مدرك بعد هذا أن الأديب هنا قد جمع بين الشعر المنظوم والشعر المنثور وأن الفقرة التي أولها (وجن جنون السحاب الحزين) شعر موزون من بحر المتقارب ولكن الأديب لم يلتزم فيه قافية متكررة. على أنك واجد في بقية القطعة تحرراً من الوزن والقافية معاً.
ويجب أن يستقر في أذهاننا أن تقليد الحجازيين المتئدين منهم والمتوثبين تقليد قوي لا تغني فيه شخصياتهم وإنما يقلدون غيرهم في الطرائق والمناهج ويصورون بعد ذلك عواطفهم وبيئتهم، فهم متأثرون بهذه البيئة أشد التأثر: متأثرون بطبيعة أرضها وعادات أهلها وآمالها وعقائدها.
والشاعر إذا شعر تجد في ثنايا شعره كل هذه الاتجاهات واضحة جلية:
يقول معالي الدكتور هيكل باشا: (ثم إن الأديب يتأثر دائما بالبيئة التي تحيط به كما يتأثر بأحداث الزمان، وإذا كانت هذه الأحداث قد بعثته في الحجاز، حتى جعلت أهله يتطلعون إلى غيرهم من الأمم المجاورة لهم، فإن البيئة العربية الصحيحة التي لم تتغير، قد بقي لها