محمد علي باشا رأس الأسرة العلوية الملكية سعيداً في وادي النيل.
فوقف الأمير بجانب إبراهيم باشا في حملته المشهورة على ربوع الشام، وأمده بالرجال والمؤن، فازدادت العلاقات الودية بين الكنانة ولبنان وتمكنت الصلات الأدبية والمادية بين شعبيهما تمكناً وثيقاً. والصلات بين القطرين الشقيقين قديمة العهد ترجع بجذورها البعيدة إلى الفراعنة والفينيقيين، غير أنها بعثت بعثاً جديداً في زمن هذين العاهلين الكبيرين.
وقد استقدم محمد علي باشا الكبير بعض الأسر اللبنانية إلى مصر لإنشاء صناعة الحرير وغيرها. ثم شرع أحرار اللبنانيين من ذلك العهد يهبطون مصر زرافات ووحدانا فيلقون من أسرتها المالكة كل عون وتشجيع وفي شعبها المضياف كل عطف وترحاب. فاشتغلوا في حقل الصحافة والأدب ونشر لواء العلم، وكانوا المجلين في هذا المضمار يشهد لهم كبار رجالات هذا القطر الشقيق وصفوة علمائه وأدبائه البارزين. وبلغوا في حقل الزراعة والتجارة والصناعة مبلغاً مرموقاً وفي ميادين المهن الحرة والوظائف الحكومية منزلة سامية. فخدموا مصر خدمة صادقة منزهة عن الهوى.
ولما انطوى حكم الأمراء في لبنان بعد الحوادث المشؤومة عام ١٨٦٠ صغر حجمه وانكمش في جباله من جراء النظام الجديد الذي أعده له الداهية العثماني فؤاد باشا بالاتفاق مع أقطاب الدول الأوربية الكبرى. فضاق على سكانه في عهد المتصرفين فكثرت هجرتهم إلى مصر لقربها من وطنهم وقديم صلاتهم بها. فأصبحوا فيها جالية وافرة العدد تنعم بالثروتين، ثروة الأدب وثروة النسب.
ثم شرع اللبنانيون يهاجرون إلى العالم الجديد وذلك منذ سبعين عاما على وجه التقريب، فنزلوا في شتى أقطاره مجاهدين في سبيل الحياة، ورأس ما لهم شباب وثاب، وذهن وقاد، وعزم قدَْ من جلاميد جبالهم وشوامخ ارزهم، فلم يلبثوا طويلا حتى كثر عدد جالياتهم في مختلف الجمهوريات الأمريكية، وبلغوا فيها شأواً لا يستهان به في عالمي الصناعة والتجارة، ونبغوا في المهن الحرة وفي حقل السياسة والعلم والاجتماع، وفي إجادة لغات الأمم التي نزلوا بين ظهرانيها. وانشأوا الصحف والمجلات في لغتهم العربية وكانوا وما برحوا في طليعة الحاملين لواء التجديد بين أدبائها والناشرين كنوزها في أقطار المعمور.
وهبطوا أفريقيا وامتدوا في أصقاعها النائية امتداد النيل في أرجاء الكنانة. وجابوا أوروبا