(أيها الرفاق! إن مشكلتنا لعسيرة، ولن يحلها التفكير العقيم، ولن تفتح لنا الثرثرة سبيل النجاة، ولن تجدي الشكوى والدموع شيئاً لرفع ما نحن فيه من البلاء. حذار أن تسرفوا في التفكير الأجوف، والثرثرة الفارغة، فتذهب قوتكم، ويضيع وقتكم سدى. لنستجمع شجاعتنا وقوتنا، ولنتهيأ للضرب في غياهب هذه الغابة حتى نجتازها إلى نهايتها. أنها لابد منتهية، لأن لكل شيء في الكون نهاية. أيها الرفاق الأمجاد! عليكم بالصبر والإخلاص والشجاعة، ولا سيما في المراحل الأولى! ولتكن عزائمكم راسخة، وخطاكم ثابتة جبارة!
كان أفراد الغابة مقبلين بفتور عندما وقف (دنكان) ليلقي فيهم خطابه القوي. ثم رأوا في وجهه وفي نبرات صوته آيات الثبات والإخلاص والبسالة، فسرى فيهم الإخلاص والحماسة، فآمنوا أنه أفضلهم وأقدرهم على قيادة القبيلة في طريق الخلاص، حتى أنها لم يكد يفرغ من خطابه حتى صاحوا: امض بنا راشداً فنحن على آثارك مقتدون!
حينئذ سار (دنكان) مؤمناً بالفلاح والظفر والخلاص، واتخذ أفراد القبيلة طريقهم من خلفه وفي قلوبهم من الإيمان مثل ما في قلبه. لم تكن الطريق بالممهدة ولا المأمونة، بل كانت عقباتها كثيرة، وأوحالها عميقة، يمكن أن تبتلع في كل خطوة بضعة أشخاص، وكانت تعترضها الأشجار الكثيفة التي تسبح فوقها الحيات صاعدة هابطة، وهي ترسل عليهم من فوق رؤوسهم فحيحها الرهيب.
وكانت جلودهم تنضح بالعرق، وجروحهم تسيل بالدماء، وأعصابهم وعضلاتهم تفيض بالكلل والإعياء، ومع ذلك استطاعوا أن يقطعوا مسافة طويلة دون ضجر ولا استياء
ولكن الأيام تتابعت فازداد بتتابعها وقع المتاعب على النفوس والأجسام، وأحس أفراد القبيلة بخور في عزائمهم وتهافت في قواهم، فتناسوا ما عاهدوا (دنكان) عليه، وأقبلوا إليه يزفون وقد ملئت صدورهم ضغينة وحقداً، وصاحوا في وجهه:(أيها الشاب الطائش! لقد انتهى بنا حمقك إلى الخراب، فليتنا ما سمعناك وما أطعناك!)
لكن (دنكان) رغم سخطهم عليه ولومهم إياه وضيقهم به لم يهن ولم يفتر، بل بقي كما كان، عامر القلب بالأمل والإيمان، وسار يقود الصفوف الثائرة بعزيمة وطيدة وخطاً راسخة.
ثم أقبلت أمسية! كانت الغابة في تلك الأمسية رهيبة قاسية، فقد تعالى في جنباتها هزيم الرعد، وأطبقت عليها الظلمات الحالكة، وقد تراكم بعضها فوق بعض كأنما احتشدت فيها