للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الليالي جميعاً بظلامها منذ كان العالم. كان القوم التعساء في تلك الأمسية يسيرون في سكون كئيب، فيتعثرون حيناً، ويتصادمون حيناً، وقلما كانوا يستقيمون، وكان الخوف قد أزاغ قلوبهم، وجمد الدماء في عروقهم، وخيل إليهم أن فروع الأشجار المعترضة في طريقهم إنما هي أيد عارية تمتد إليهم في الظلام لتختطفهم عن أيمانهم وعن شمائلهم.

وضاقوا أخيراً بما حاق بهم من كلال ولغوب، فأقبلوا على (دنكان) يوسعونه سباً وشتما حتى لا يعترفوا بالضعف على أنفسهم وقالوا له: (أيها الشاب الأحمق! لقد خدعت نفسك وخدعتنا، وأنا لنراك فينا ضعيفاً، وما أنت بالزعيم الذي يصلح لقيادتنا والإمرة علينا).

ثم وقفوا حيث انتهوا وقد طفحت قلوبهم بالحقد والموجدة على (دنكان)، وكانت الظلال تتراقص في الغابة حول القوم، والأشجار تردد أناشيد الفوز والشماتة، بينما انصرف القوم لمحاكمة (دنكان) على ما غرر بهم، وكبدهم من مشقات، ثم أفضوا إليه بحكمهم قائلين: (أنك لغادر أثيم! وقد ثبت لنا أنك امرأ سوء بما أوردتنا من موار التهلكة، فجزاؤك أن تموت!)

وأمنت أصداء الغابة وقصف الرعد وحفيف الأشجار على حكم القوم قائلة: (جزاؤك أن تموت!) في تلك الآونة الرهيبة الحرجة وقف (دنكان) أمام القوم في شجاعة واطمئنان، وكشف عن صدره، وصاح فيهم قائلا: (يا رفقائي: لقد طلبتم إلي أن أكون دليلكم فكنته، وإن لدي من القوة والجرأة ما يهيئني لقيادتكم، ولقد أردتم مني أن أسير أمامكم فسرت، وكنت لكم مرشداً وعليكم حفيظاً، ثم سرتم ورائي كما تسير قطعان الغنم وراء دليلها دون أن تكون لديكم مسكة من صبر وجلد. . .)

ولم يتركوه ليكمل حديثه إليهم، بل صاحوا في وجهه حانقين: (لابد أن تموت! لابد أن تموت!)

كان (دنكان) ينتظر من قبيلته أن يوفوا بعهدهم الذي عاهدوه، وأن يعرفوا له فضله ونبل مقصده، وما كان له أن ينتظر منهم هذا الجزاء السيئ الذي يدل على منتهى الكفر والكنود. لقد محضهم حبه ونصيحته، ومن أجلهم غامر بحياته، وضحى براحته وقوته، ثم هاهو ذا يرى نفسه فيهم وحيداً مخذولا مذموماً وهم به محدقون يطالبون بدمه دون أن أمل في عدل، ولا طمع في رحمة. وهاج (دنكان) ولكنه سرعان ما سكن وأناب، إذ كان ما يزال حفيظاً

<<  <  ج:
ص:  >  >>