على حبهم حريصاً على سعادتهم، رغم أنهم يهمون بقتله، فتحرك حبه وإيمانه، وبرقت عيناه بالجرأة والثبات حتى لقد ظنوا بريق عينيه آية جنونه، فأقبلوا عليه في قسوة وضراوة ليشدوا وثاقه، ولاح واضحاً (لدنكان) ما يكنون له من ضغينة وبغض رغم ما يذخر به قلبه من الحب والإخلاص لهم فتهيأت له فكرة أزمع على إنفاذها
في تلك الآونة طففت جنبات الغابة المترامية الحالكة تردد أناشيد الموت، وأخذت العواصف تزأر والرعود تجلجل والأمطار تنهمر في أصوات هائلة منكرة، غير أن (دنكان) صاح صيحة مروعة غطت على جميع الأصوات في الغابة قائلا لقومه: (لقد عرفت الآن واجبي نحوكم، وسأعمل حالا على إنفاذ رغباتكم، فكونوا راضين)!
وأقبل بكلتا يديه على صدره فمزقه تمزيقاً، ثم انتزع قلبه، وحمله بيده فوق رأسه، ودهش قومه حين رأوا الدماء المتفجرة من قلبه قد حالت أنواراً متوجهة كأنها الشمس، فبهرت كل ما تضم الغابة، حتى لقد أصيب كل ما فيها بالصمت والسكينة. وخر الرجال جثياً كما تخر الصخور، فصاح (دنكان) فيهم صيحة أخرى قائلا: (أيها الرفاق! سأمضي أمامكم، فانطلقوا من خلفي صابرين، وأشفقوا علي كما كنت عليكم شفيقاً!)
وانطلق (دنكان) أمام القوم، فساروا وراءه في صمت وذهول، وكان ما يزال قابضاً على قلبه الذي اندلعت منه الأنوار فهتكت حجب الظلام وأنارت الطريق للسارين من خلفه. كانت الغابة ما تزال يتردد فيها زئير العواصف وهزيم الرعود وخرير الأمطار، لكن وقه أقدام السارين كان يغطي على كل أصوات الغابة. لقد كان القوم منطلقين إلى الأمام، وقد سحرتهم الأنوار الساطعة من ذلك القلب المشتعل. وكانوا يتساقطون موتى كما تتساقط الأوراق الجافة دون تذمر ولا عويل.
وما زال (دنكان) منطلقاً أمام القوم والأنوار تتفجر من قلبه الذي صار شعلة حتى بلغوا نهاية الغابة!
وهناك. . . هناك انفتح أمامهم منفذ فسيح، فنفذ إليهم النور الباهر والهواء الطلق، بعد أن لبثوا ما لبثوا غرقى في المطر المنهمر والظلام الكثيف. وأداروا عيونهم عندئذ إلى الوراء، فرأوا الغابة يطبق عليها الظلام، ويجلجل فيها الرعد ويلمع البرق، ثم التفتوا أمامهم حيث انتهوا، فرأوا أمامهم الشمس تسكب أشعتها على سهول فسيحة معبدة قد وطئت لهم، تتخللها