للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مجاهل وخبايا الطبيعة الإنسانية، وفي مثل صوره نطالع القوى والقيم الإنسانية التي قلما نحسها أو نحفل بها لأن حياتنا السطحية الرخيصة لا تستجيشها أو تهزها من رقادها.

ولقد وهب لوناردو حياته كلها لشيئين: الحق يلتمسه من كل طريق ويضني نفسه باحثاً عنه، والجمال ينشده ويرجوه ويتبعه، وهام أشد الهيام بشيئيين هما حركة الحياة الجارية، وبسمات الغيد. وكأنه رأى فيهما معاني تفكيره وتأملاته وأحلامه، أو استبان فيهما رمزا للحياة وما تجيش به من معلوم ومجهول. والمياه الجارية، كالأنهار والبحار، حين ترفرف عليها روح الفنان وتناجيها تقول كثيراً وتفضي بأحاديث طويلة قد يفهمها القلب ولا يفهمها العقل، ذلك لأنها لا تتكلم إلا بلغة الأبد، أنها تلغز وترمز ولا تفصح أبداً.

. . . أنها ساكنة مرة وفي سكونها وداعة، ساهمة مرة، وفي سهومها وجوم وإطراق مثقل بالمعاني، مترنمة في بشاشة وحبور أحياناً، مرغية مزبدة في ثورة وعنف أحياناً أخر - وهي سافرة في الفجر، يتكئ النور الوليد على صدرها مغمغما في شوق وحنان، متلألئة في الضحى تتقبل قبلات الشمس في حبور، باكية في المساء مع الشفق، وقد تتدثر في الليل قناعاً كثيفاً من الظلام، وتتلو صلواتها في رهبة ووجل مما يخبئه الظلام، وقد ترتدي غلالة شفافة من ضوء القمر وتغني جزلة طروبة - وفي كل حال لها حديث، وفي كل مرة لها مناجاة. . . وما أحلى حديثها الحافل بالأحاجي والأسرار!

وبسمات الغيد. . .؟

بسمات العذارى والفتيات فيها خلاصة الحياة كلها عندما تصفو الحياة من الأكدار وتترفع عن التفاهة والدنايا والصغار، لأنه رمز للمرأة في حالة الإقبال والصفاء، وإذا أقبلت المرأة، أقبلت الحياة، وسخت بكل غال نفيس!

ففي الشفاء والوجنات بهجة الربيع ونضرته، وتفتح وروده وأزاهيره، وحرارته الحلوة التي تبعث الحياة من جديد وتشعل الحيوية الراكدة

في العيون تحتشد الأسرار العميقة المتلاطمة التي لا يسبر لها غور. . .

وفيها السحر الذي يستبيننا، ونرى فيه لمحة مما وراء الوجود من خفايا وأسرار، وفيها الحلاوة العذبة التي ترقينا، وفيها القوة الآسرة التي تستبد بنا

ومن معاني الابتسامة الحنان. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>