للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والحنان آصرة تآلف وامتزاج

وأسمى لحظات العمر عند الفنان - وعند الإنسان عامة - هي تلك التي يخرج فيها عن حدود ذاته ليمتزج بقوة أخرى ويصبح بعضا منها، ويمتلئ خاطره ووجدانه بالمعاني المستمدة من معانيها.

ومن معاني الابتسامة الفرح، والفرح معدن الحياة الأصيل، وهو الإحساس الذي يتوج أعمالنا وأفكارنا عندما يسيران وفق قانون الحياة، وهي دليل السعادة، والسعادة قبلة الحياة!

وفي الابتسامة شعاع من نور من لدن العلي القدير فاطر الحسن وبارئ آياته يشعر الإنسان أنه على مقربة من السماء مصدر الصفاء والضياء إن ابتسامة المرأة - أحياناً - أكبر من المرأة ومن الحياة!

وكان لوناردو لا يرسم صور الأشخاص إلا في الضوء الباهت الخافت عندما تكون السماء غائمة، أو قبيل الغروب حين يمتلئ الجو بالإيحاءات المبهمة والغمغمات الصامتة التي تغلف عواطفنا بسحابة رقيقة من الصوفية الغامضة المشوقة إلى المجهول وتكتسي الوجوه بذلك السر الذي يكسبها سحراً وحلاوة. وكان لا يتعجل ولا يعمد إلى الرسم في كل حين، بل كان ينتظر صابرا تلك اللحظات التي تتفتح فيها بصائرنا ونعيش في عالم أكبر وأحفل بالاحساسات من العالم الذي نعيش فيه عادة، كان ينتظر تلك اللحظات، لحظات الـ وعندئذ لا يبخل بالمجهود ولا يضن بالمشقة حتى إذا كان بعيداً عن مكان عمله. وكثيراً ما كان يقطع المسافات الطويلة ليصل إلى ذلك المكان وليعمل دقائق قليلة فقط! وفي هذه الدقائق كان الفنان يضيف إلى عمله جديدا يعتد به.

ترى لم اختار لوناردو (موناليزا) ليجعل من صورتها رمزاً لذلك اللغز الخالد الذي نسميه المرأة؟

هذا ما لا ندريه.

كانت (ليزا جيرالدين) إحدى بنات الطبقة الممتازة في فلورنسا وقد تزوجها (فرنسسكو دل جيوكندو) عام ١٤٩٥، ولم تكن على درجة رائعة من الجمال أو على شيء من الامتياز في بيئتها.

وعندما شرع لوناردو في رسم صورتها كانت في ربيعها الرابع والعشرين ولم ينته منها إلا

<<  <  ج:
ص:  >  >>