الرماد في أعين الأصدقاء، لكي لا ندع لهم مجالا للظنة والريب، فقالت الزوجة وقد اعتصمت رأسها بين يديها:(وكيف السبيل إلى ذلك؟!)
- ما دمت قد صممت على الرحيل في الغد، فلا يحسن بك أن تذهبي إلى أصحابك وأقرانك في الريف أو في الخارج، ارحلي إلى بريطانيا، هه. . ارحلي إلى (مينو) فامكثي هناك فترة لا يحد الضجر بها إلى نفسك سبيلا. . . إلبثني شهرين إذا أمكنك ذلك. . . و (مدام بنارد) - مدبرة قصرنا الريفي الذي نشأت فيه أن خلفني والداي - ستقوم على خدمتك والعناية بأمرك ما وسعها ذلك. . . أرجو أن تخبريها بحضوري على الدوام
- هذا لا تفكر في أن تأتيه؟. . .
- بلى، ولكن يجب أن تخبريها، وهذا المكان يشيع فيه الجمال والإبداع في التنسيق على مبعدة فرسخين من (جوراند) وعاصمة (باتر). . . وأعتقد أن قدميك لم تطأ هذه البقاع. . . مراتها مدرج طفولتي ومهد صباي. . . أنها تفوق بريطانيا حسناً وروعة. . . فلا تجعلي هذه الفرصة تمضي دون انتهازها!
- لقد حدثتني في لباقة وهدوء، وإني لا أود أن أغادر بيتك هذا على سوء. . . أبرق إلى (مدام بنارد)، فسأرحل إلى (مينو) وسأمكث شهرين!
- شكراً. . . سعدت مساء!
- لا، بل قل وداعاً. . . أنه فراق بيني وبينك!
ولم يرتعد صوتهما في هذا الوداع الأخير. . . ولكن قلبيهما. . . قلبيهما المعذبين. . . كانا يخفقان ويرددان:(أهذا حق؟! هل قطعت كل رابطة بيننا؟ أيفارق كل منا صاحبه؟ سنرى أيتها الفتاة. . . سنرى أيها الفتى!
أقبل شهر مايو، وهبت نسمات الربيع على الكون رخاء سجسجاً واتخذت (مدام دي برسي) أهبتها للرحيل إلى (مينو) في عدوة يوم أضحيان. . . والشمس تدلف في خمول، ولم نبلغ حرارتها أوجها بعد. . . بدا الساحل في فتنة وروعة لا تدانيها روعة. . . كأنه يبسم للشعاع والصبح الوليد. . . والأمواج تداعب بيانه في رقة وهي تتسابق إليه كالطفل يهرع متعثراً إلى ذراعي أمه. . . وتناثرت الحضرة في كل مكان. . . والرمال تبرق صفحتها كالدر المنثور. أنه لجو صحو يحلو لمن يبغي الهدوء والجمال. . .