هذراً، ورحنا نقول مع الزمخشري:(الفنون جنون والجنون فنون). جازلنا أن نعد كل شئ في الوجود سخيفاً، وألا نجد لهذا الكون معنى، ولزمنا أن نبادر إلى الانتحار، وندع الدار تنعى من بناها. . . لا، لا. . . إن هذا الحسبان خسران، والرأي الحكيم الرصين أن نرى الجيد جيداً والجميل جميلا وأن نبتهج بمشاهد الكائنات مع المبتهجين معرضين عن مقالات شوبنهور وسائر المتشائمين منشدين في كل حين:
(تمتع من الدنيا فاك فانِ)
(تمتع من شمم عرار نجد)
و (الدنيا - كما قال جار الله - عمري ولا خلود إلا في الأخرى).
فن اللغة فن، في الإنشاء فن، فلا تسألن الفصيح البليغ في المقال أن يذر فصاحته وبلاغته وذا الفن أن يهجر فنه، وينزل من عليائه إلى فنائه، ويزايل عزلته، ويماشي جماعته، ويتبذل أسلوبه وهو يستطيع صيانته، ودعه يفتن الإنشاء كيف شاء.
إن المتفنن في الناس قليل، وقد مات بالأمس (أنا طول فرنس) ولا خليفة في قومه له. وهذه حالة لا يصل إليها كل ساع فلا تخف من أن يكثر المتفننون. . . وهؤلاء الرهط في الأمم هم سلوى المكروبين، ومهذبو الطالبين، هداة المتأدبين، وموقظو الهاجدين، وقائدو الثائرين، وبكلامهم تصقل الكتاب قرائحها).
(كانت اللغة فجاء منها فن، وهو لا يكون في كل ضرب مما تخطه الأقلام ولن يكون. وأهله اثنان: الشاعر والأديب ولا ثالث لهما، فدعهما يحدوان مع الحاد، ويهيمان في كل واد. وفضيلة كلام (الشاعر والأديب) أو هذين المتفننين أو الفنانين هو هذا الجمال الذي تلاقيه فيه، ومع الجمال الوضوح كل الوضوح، بل ليس الحسن إلا الوضوح. فمرغبي ومرغب كل من يتراءى برأيي أن نصون هذا الرونق أو هذه الديباجة كما يصون الكريم ديباجتيه فلا يبذلهما. . . وقد أعلن الأستاذ الريحاني في مقاله أنه يهوى الديباجة، ولا ريب في ميله هذا، فكل شئ تنوقت الطبيعة في تجويده يستهوي العاقل. ولن ننشد إن شاء الله في يوم بيت المتنبي الذي أومأ الأستاذ إليه في كتابه:
زودينا من حسن وجهك ما دام (م) فحسن الوجوه حال تحول فلن يحول جمال العربية، ولن تزول ديباجتها، وإذا استطاع القوم في الغرب أن يجملوا بالكهربا الشنيعات، فلن نعجز في