(يجعل مقتبس علم غربي يترجم مبحثاً أو يلفق قولا وهو لم يتخرج على أستاذ قادر، ولم يقرأ كتاباً واحداً، ولم يعرف أسلوب علمه اللغوي، ولم يقف على ألفاظه ولا على بعض ألفاظه، وتلقيه يزجر وهو يكتب زحيراً، ويلعن العربية التي جهلها لعناً كبيراً، ثم يطرح بجهيض يعمى الناظرين، فإذا عيبت جهيضه لا حاك، وتهدم على اللغة بالتنقيص)
(الأستاذ الريحاني فاضل نابغة تنكب عن طريق التقليد، وأنكرت نفسه الرقي العقلي فكدحت في تحريرها، فلما حررها لم يستبد بخيره، وأراد أن يشركه في الخير غيره، فدعا قومه إلى حريته، وانتحال عقيدته. ثم أبصر الأستاذ الغرب يطير ارتقاء وقومه العرب قد ألفوا الحضيض (آلف للحضيض فهو حضيض) كما قال أبو تمام، فشق عليه أن يشهد ذل جهلهم وقد اعتز بالعلم خصمهم وآكلتهم، وتحقق أن الذي أقعد في العلياء الغرب هو علم الغرب فنادى إلى إيثار ذلك العلم، وأشفق أن يعوقهم الاهتمام بالمهم أو غير مهم عن طلب الأهم فقال لهم: اجتزئوا من المونة اللغوية بزاد سافر، فلن يعذل وهذا قصده. والحق الذي يدريه الأستاذ الريحاني، ولكن حرصه على الذي رآه أحق بالتقديم قد حمله على أن يتناساه هو أن الانتباه الأدبي في الأمم يسبق الانتباه العلمي، فهذا بناء وذاك أساس، وإن الأمم العربية اليوم هي في وقت الترجمة. وعند الغرب علوم كثيرة ومباحث فيها دقيقة. وفرض عين أن تنقلها العربية وأن يفقهها نشؤها، ولن تفهم ولن تفيد حتى تصح ترجمتها، ولن يستطيع احتواء تلك العلوم ومعانيها إلا اللغة القرآنية العلمية، إلا اللغة الصحيح تركيبها الكثير لفظها التي ظل العلم القديم يلينها ويوسعها ويصقلها أحقاباً. وإذا لم توصل لغة علم اليوم بلغة علم الأمس ويستظهر بهذه فلا علم في هذا الزمان عند العرب. ومن ظن أن اللغة العامية وهذه التي هي فوق العامية تقدران أن تعيا علوم الغرب وتضم عباراتهما تلك المعاني الحديثة أو الجديدة فظنه (والله) عجيب!)
ثم أبعث إلى الفيلسوف بكتابي (البطل الخالد صلاح الدين والشاعر الخالد أحمد شوقي) وقد طبع سنة ١٣٥١، فتجيبني منه رسالة في ٢٦ شباط سنة ١٩٣٣، وقد ظهرت في (الرسالة الغراء) ٢٦٩ في ٣ رجب سنة ١٣٥٧في الصفحة ١٤١١ من السنة السادسة
ومن قرأ رسالة الأستاذ الريحاني الثانية رأى أنه (قد استطاع أن يكتب عربياً عبقرياً