فقال القاضي متلعثما:(ليس معي سوى خمسة دولارات). ثم أخرجهما من جيب الصديري. وصدر الأمر إليه:(إطوها وضعها في فوهة الغدارة). وكانت الورقة المالية جديدة رقيقة. غير أن الأصابع المرتخية المرتعشة وجدت بعض العناء في طيها ووضعها في فوهة الغدارة). فلما تم هذا مال اللص:(الآن تستطيع أن تمضي). فسار القاضي مهرولا، لا يلوي على شيء.
وفي اليوم التالي جاء البغل البني الصغير يجر المركبة ووقف بباب المكتب وكان القاضي بناجا ويدب منتعلا حذاءه، إذ كان يتوقع زيارة. وترحل رانسي بلبرو وزوجه، وقدم إليها في حضرة القاضي ورقة مالية من فئة الخمسة دولارات. فحدقت عينا القاضي في الورقة، وكانت مطوية كما لو كانت منتزعة من فوهة غدارة. غير أن القاضي التزم الصمت لأنه ليس ثمة ما يمنع من أن تطوى أي ورقة مالية. وسلم كلا منهما نسخة من شهادة الطلاق. ووقف كل منهما صامتاً يطوي قسيمة الحرية على مهل. وحدجت المرأة رانسي بنظرة خجولة مفعمة بالعواطف، وقالت له:(أعتقد أنك ستعود إلى الكوخ بالمركبة. ستجد الخبر في العلبة الصفيح الموضوعة على الرف. ووضعت الدهن في إناء الغلي حتى لا تصل إليه الكلاب. لا تنس أن تملأ ساعة الحائط الليلة).
وأستفهمها رانسي في شئ من الإهمال:(وأنت، هل تذهبين! إلى منزل أخيك (إيد)؟).
- كنت أنوي أن اذهب إليه قبل حلول المساء. لن أقول، لأني سأزعج أهل أخي، وأحملهم على الترحيب بمقدمي، ولست أعرف مكاناً آخر أقصده. على كل حال من واجبه أن يرحب بي أني ماضية. هل أقرئك السلام يا رانسي هذا إذا لم تمانع؟).
فأجاب رانسي بلهجة الرجل الذي ذهب ضحية:(ولم لا أقرئك السلام، إلا إذا كنت تواقة إلى الفرار مني دون انتظار تحية ما). فالتزمت أريلا الصمت. وطوت الورقة المالية من فئة الخمسة دولارات وقسيمة الطلاق ووضعتها في صدر ردائها. وراقب بناجا ويدب الورقة المالية وهي تختفي بعينين حزينتين تطلان من وراء زجاج منظاره. وهنا قالت أريلا:(ستكون وحيداً الليلة في الكوخ يا رانسي). وحدق رانسي بلبرو بعينيه في الأفق إلى جبال كمبرلند، فرآها وقد كساها ضوء الشمس لوناً أزرق فاتحاً؛ ولم ينظر إلى أريلا وقال: (لا ريب في أني سأكون وحيداً، ولكن ما العمل وقد ركب الجنون عقل البعير وطلب