وكان الزنادقة يقتلون طوراً ويسجنون طوراً. وربما اتخذوا الزندقة سبيلا للقتل أو السجن. وكان الزنادقة يودعون سجناً خاصاً في المطبق. ذكر أبو نواس قال: كنت أتوهم جماد عجرد إنما يرمي بالزندقة لمجونه في شعره، حتى حبست في حبس الزنادقة فإذا حماد عجرد إمام من أئمتهم، وإذا له شعر مزاوج بيتين بيتين يقرئون به في صلاتهم.
وقد سجن أبو نواس متهماً بالزندقة؛ وكان قد عرض بالأمين (صاحب التاج) وأعتقد أن تعريضه هو سبب سجنه، وأنهم جعلوا الزندقة سبباً. فقد قال:
وقد زادني تيهاً على الناس أنني ... أراني أغناهم وإن كنت ذا فقر
فلو لم أنل فخراً لكانت صيانتي ... فمى عن جميع الناس حسبي من فخر
فلا يطمعن في ذاك مني طامع ... ولا صاحب التاج المحجب بالقصر
فقال له الأمين وقد أتى به (أبلغ بك الأمر إلى أن تعرض فيّ في شعرك يا أبن الخنساء. . .؟) ثم اتخذوا عليه حجة أنه زنديق؛ فقد شرب ماء المطر مع الخمر، وقال: هاأنذا أشرب الملائكة، فان مع كل قطرة ملكا. . .).
ومن الطريف أن نتابع القصة: فقد ذكروا أن خال الفضل أبن الربيع كان يتعهد المحبوسين ويسأل عنهم. وكانت فيه غفلة. فدخل على أبي نواس فقال: ما جرمك حتى حبست في حبس الزنادقة؟ أزنديق أنت؟ فقال: معاذ الله! قال أتعبد الكبش؟ قال: ولكني آكله بصوفه! قال: أفتعبد الشمس؟ قال: والله ما أجلس فيها فكيف أعبدها؟ قال: أفتعبد الديك؟ قال: لا والله، بل آكله. . . ولقد ذبحت ألف ديك لأن ديكا نقرني مرة، فحلفت ألا أجد ديكا إلا ذبحته. قال: فلأي شيء حبست؟ قال: لأني أشرب شراب أهل الجنة، وأنام خلف الناس. فقال: وأنا أيضاً أفعل ذلك. فخرج خال الفضل إلى الفضل وقال له: ما تحسنون جوار الله! تحبسون من لا ذنب له؟ سألت رجلا في الحبس عن خبره، فقال كذا وكذا، وعرفه بما جرى بينهما، فضحك ودخل على الأمين فأخبره الخبر، فأمر بتخليته.
وكان الشعوبيون يسجنون لتهجمهم على العرب، وقد سجن الرشيد أبا نواس لقصيدة وهجا