والأسلحة عدة للحصار، ولكن سعيداً ضيق عليه الحصار حتى أيأسه من النصر والحياة والمقنع محصور في قلعة كش، فلما أحس بالهلكة شرب سما وسقاه نساءه وأهله فمات وماتوا جميعاً، ودخل المسلمون قلعته واحتزوا رأسه ووجهوا به إلى المهدي وهو بحلب.
ولقد عرف المقنع الخراساني هاشم بن حكم وأتباعه بالزنادقة المبيضة لأنهم اتخذوا اللباس الأبيض شعاراً لهم
هذه هي الصدمة الأولى من صدمات الزنادقة التي أصابت الدولة العباسية في عهد المهدي فاضطربت له دولته جميعاً وتتابعت لها الزحوف إثر الزحوف نحو سنتين حتى أخمدتها بعد لأي شديد وإسراف كثير في الأرواح والأموال، ولم يكن المهدي قبل ذلك إلا عالماً أقوى العلم خطر إقليم المشرق فمنه انبعثت الجيوش الخراسانية التي دكت المملكة الأموية دكا، وأسلمت الخلافة للعباسيين، وما كان المهدي ليجهل خطر الفرس وما أنزل بهم العرب من بلاء طوال مدة بقائهم في الأقاليم الفارسية، ولا حقد الفرس على العرب وتربصهم بهم الدوائر، وما كان من قتل أبي مسلم ومطامعه وثورة تلميذه وتابعه سنباذ ثم ثورة الراوندية، وما كان ليجهل الدوافع القريبة والبعيدة التي أثارت هذه الفتن؛ ولم يكن ينقصه سوء الظن والدهاء وكان الأمران من أهم الأركان في سيساة الدولة العباسية من عهد السفاح بل قبله إلى عهده هو (المهدي)
أما الثورة الثانية فقد جاءت إثر الثورة الأولى بعام واحد تقريباً وإن لم تبلغ من القوة ما بلغت الأولى ولم تكلف المهدي من الأموال والأرواح والمتاعب ما كلفته تلك: قامت هذه الثورة في المشرق أيضاً (وهكذا المشرق دائماً) في ولاية جرجان شرقي بحر قزوين، وكان القائمون بها يعرفون بالزنادقة المحمرة لأنهم اللباس الأحمر شعارهم، ولا خلاف بين الطبري وابن الأثير في أن هذه الثورة كانت سنة ١٦٢ هـ، بل تكاد كلماتهما تتحد في الرواية. قال ابن الأثير في أخبار سنة ٦٢١ (وفيها خرجت المحمرة بجرجان عليهم رجل اسمه عبد القهار فغلب عليها وقتل بشراً كثيرا فغزاه عمر بن العلاء من طبرستان فقتله عمر وأصحابه)
وقد انتشرت تعاليم طوائف الزنادقة بين الناس فيمار وراء النهر وخراسان والولايات الفارسية الغربية والشمالية، وتسربت أيضاً إلى العراق، وكانت تعاليمها مزيجاً من فلسفة