للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كذلك يتعاقب علينا الحزن والفرح، والانقباض والانبساط، واليأس والرجاء، والشدة والرخاء، والعسر واليسر، والفقر والغنى، والظلمة والنور، والمرض والصحة.

فقال الشيخ: (ما سمعت في كلامي أحسن من حديثك، ولا أحكم من رأيك. ولئن صح ظني ليكونن لك شأن عظيم في حياتك وبعد مماتك. فمن تكون أيها السيد الكريم؟).

فقال: (أنا عبد الله دجين بن ثابت)، وكنيتي: أبو الغصن، ولقبي: جحا).

فقال لعلع: (وما صناعتك؟)

فقال دجين: (كنت بالأمس، تاجراً كبيراً يشار إليه بالبنان، ولكن حريقاً شب في بيتي ومخزني - منذ أيام - أتى على كل أملك من أثاث وبضائع، فلم يبق لي - مما ملكت - كثيراً ولا قليلا، ولقد تداركنا الله بلطفه ورحمته، فسلم كل من في الدار: سلمت زوجي وولدي وابنتي. فشكراً لله على لطفه بنا. ولقد كدنا نهلك جوعا لولا جارتنا الكريمة التي مدت إلينا يد المعونة، وتكفلت بإطعام زوجي وولدي.

أما الجاني الذي أوقد النار في بيتي ومخزني فقد فر، ولم يقف له أحد على أثر:

فقال الشيخ لعلع: (لقد أنستني مصائبك - يا أبا الغصن - كل ما لقيت في حياتي من أحداث والآم. ثم ارتعش جسم الشيخ، فقال وهو يصرف نابه: (كيف تكون الدنيا إذا خلت من أهل المساعدة والعون من كرام المحسنين).

فظن (دجين) أن الشيخ يرتجف مثله ألماً، لالتصاق ثيابهما المبللة بأعضاء جسميهما. وحسبه يستجديه المعونة فقال: (دعنا من حديث الأحزان، فليس منه فائدة، وسينقضي وقت الشدة - إذا صبرنا لها - ثم يعقبها وقت الرخاء، فتنسينا بهجته جميع ما كابدناه من مصائب وآلام، ومتى صبر الإنسان لجهد نازلة أصابته، ووطن نفسه على احتمالها وابتسم للكوارث والنكبات غير هياب ولا وجل، لم تلبث أن تنجلي عنه وينساها كما نسى غيرها من المصائب والآلام. والعاقل هو من يرضى بأحكام القضاء، فلا يستسلم للضعف، واثقا أن لكل شدة مدة ثم ينقضي معها، فإذا صمد لها غلبها وانتصر عليها، ثم صمت قليلا، واستأنف حديثه قائلا: هلم يا أبا شعشع فاتبعني إلى داري فإنك واجد فيها - على ضيقها - مكانا تأوي اليه، وسنحضر لك بعض الحشائش والأعشاب توقدها لتجفف ثيابك المبتلة. فأطرق (لعلع) لحظة، ثم قال لدجين (قبلت ضيافتك، يا أبا الغصن، ولعل الله - سبحانه -

<<  <  ج:
ص:  >  >>