للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وما أمنع أن يكون حمله حب الحطام على أن غرق في بحر طام).

وقد صيغ في (النهج) في (صاحب الزنج) هذا القول:

(يا أحنف، كأني به سار الجيش الذي لا يكون له غبار ولا لجب، ولا قعقعة لجم ولا حمحمة خيل، يثيرون الأرض بأقدامهم كأنها أقدام النعام (قال الشريف الرضي أبو الحسن رحمه الله تعالى يومي بذلك إلى صاحب الزنج ثم قال عليه السلام) ويل لسكككم العامرة والدور المزخرفة التي لها أجنحة كأجنحة النسور وخراطيم كخراطيم الفيلة من أولئك الذين لا يندب قتيلهم، ولا يفقد غائبهم. . .).

قال ابن أبي الحديد في شرحه:

قوله لا يندب قتيلهم ليس يريد به من يقتلونه بل القتيل منهم لأن أكثر الزنج الذين أشار إليهم كانوا لدهاقين البصرة وبناتها، ولم يكونوا ذوى زوجات وأولاد بل كانوا على هيئة الشطار عزاباً فلا نادبة لهم. وقوله ولا يفقد غائبهم يريد به كثرتهم وأنهم كلما قتل منهم قتيل سد مسده غيره فلا يظهر أثر فقده. فأما صاحب الزنج هذا فإنه ظهر في فرأت البصرة في سنة (٢٥٥) رجل زعم أنه علي بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) فتبعه الزنج الذين كانوا يكسحون السباخ في البصرة. وأكثر الناس يقدحون في نسبه وخصوصاً الطالبيين. وجمهور النسابين اتفقوا على أنه من عبد القيس وأنه علي بن محمد بن عبد الرحيم وأمه أسدية. ومن الناس من يطعن في دينه ويرميه بالزندقة والألحاد، وهذا هو الظاهر من أمره لأنه كان متشاغلا في بدايته بالتنجيم والسحر والاسطربالات. وكان حسن الشعر مطبوعا عليه، فصيح اللهجة، بعيد الهمة، تسمو نفسه إلى معالي الأمور، ولا يجد إليها سبيلاً، ومن شعره:

وإذا تنازعني أقول لها قرى ... موت يريحك أو صعود المنبر

ما قد قُضي سيكون فاصطبري له ... ولك الأمان من الذي لم يقدر

ومنه:

إني وقومي في أنساب قومهم ... كمسجد الخيف في بحبوحة الخيف

ما عُلّق السيف منا بابن عاشرة ... إلا وعزمته أمضى من السيف

وكانت بينه وبين عمال السلطان وقواده حروب عظيمة ووقعات كثيرة، وكانت سجالا تارة

<<  <  ج:
ص:  >  >>