له وتارة عليه، وهو في أكثرها المستظهر عليهم. وكثرت أموال الزنج والغنائم التي حووها من البلاد والنواحي، وعظم أمرهم، وأهم الناس شأنهم، وعظم على المعتمد وأخيه أبي أحمد خطبهم، واقتسموا الدنيا فكان علي بن محمد الناجم صاحب الزنج وإمامهم مقيما بنهر أبي الخصيب قد بنى مدينة عظيمة سماها (المختارة) وحصنها بالخنادق. واجتمع إليه فيها من الناس ما لا ينتهي العدد والحصر إليه رغبة ورهبة، وصارت مدينة تضاهي سامرا وبغداد، وتزيد عليهما، وأمراؤه وقواده بالبصرة وأعمالها يجبون الخراج على عادة السلطان لما كانت البصرة في يده إلى أن دخلت سنة (٢٦٧) وقد عظم الخطب وجل، وخيف على ملك بني العباس أن يذهب وينقرض، فلم يجد أبو أحمد الموفق وهو طلحة بن المتوكل على الله بدا من التوجه بنفسه ومباشرته هذا الأمر الجلل برأيه وتدبيره وحضوره معارك الحرب. وكان أبو أحمد هو الخليفة في المعنى وإنما المعتمد صورة خالية من معاني الخلافة لا أمر له ولا نهي ولا حل ولا عقد، وأبو أحمد هو الذي يرتب الوزراء والكتاب، ويقود القواد، ويقطع الأقطاع، ولا يراجع المعتمد في شيء من الأمور أصلا. وبحق ما سمى المنصور الثاني، ولولا قيامه في حرب الزنج لانقرض ملك أهل بيته ولكن الله ثبته لما يريد من بقاء هذه الدولة).
وكان (صاحب الزنج) مشعوذاً كبيراً. روى الطبري في تاريخه:
ذكر محمد بن الحسن أن محمد بن سمعان حدثه أن (صاحب الزنج) قال في بعض أيامه لقد عرضت على النبوة فأبيتها. فقيل له: ولم ذاك؟ قال: إن لها أعباء خفت ألا أطيق حملها. . .
وذكر عنه أنه كان يقول: أوتيت في تلك الأيام آيات من آيات إمامتي ظاهرة للناس، منها أني لقيت سوراً من القرآن لا أحفظها فجرى بها لساني في ساعة واحدة، منها (سبحان والكهف وصاد) ومن ذلك أني ألقيت نفسي على فراشي، فجعلت أفكر في الموضع الذي أقصد له وأجعل مقامي به إذ نبت بي البادية، وضقت بسوء طاعة أهلها، فأظلتني سحابة فبرقت ورعدت، واتصل صوت الرعد منها بسمعي، فخوطبت فيه، فقيل: اقصد البصرة، فقلت لأصحابي وهم يكنفونني إني أمرت بصوت هذا الرعد بالمصير إلى البصرة. . .
وجاءه رجل يهودي خيبري يقال له (ماندويه) فقبل يده، وسجد له - زعم شكراً لرؤيته إياه