للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي، فارتضى ذلك رسول الله، وقال: الحمد لله الذي وفق رسول الله إلى ما يرضي رسوله؛ واحتجوا بأنه عليه الصلاة والسلام كان يجتهد فيما لم يوح إليه حكمه. ويقضي باجتهاده (ولكن الله لا يقره على الخطأ)، وأن الاجتهاد كان جائزاً للصحابة في حياة النبي عليه الصلاة والسلام

وجاء في المبسوط: إن للقاضي أن يجتهد فيما لا نص فيه، وإنه لا ينبغي أن يدع الاجتهاد في موضعه لخوف الخطأ، فإن ترك الاجتهاد في موضعه بمنزلة الاجتهاد في غير موضعه، فكما أنه لا ينبغي له أن يشتغل بالاجتهاد مع النص، لا ينبغي له أن يدع الاجتهاد فيما لا نص فيه

غير أن الحنفية ذكروا أن أهلية الاجتهاد شرط الأولوية لا شرط صحة التولية، وأنه يصح قضاء المقلد إذا قضى بفتوى غيره (الهداية والهندية)، أما المفتى، فأجمعوا على اشتراط كونه من أهل الاجتهاد، أو النظر في الدليل. قال أبو حنيفة: لا يحل لأحد أن يفتي بقولنا حتى يعرف من أين قلنا. وهذا منتهى ما تصل إليه حرية البحث، وما تبلغه الروح الاستقلالية في العلم

قال في المبسوط: (وإذا لم يكن القاضي من أهل اجتهاد الرأي ليختار بعض الأقاويل، سأل المفتين (أي المجتهدين)، ونظر إلى أفقههم عنده وأورعهم فقضى بفتواه، وهذا اجتهاد مثله، ولا يعجل بالحكم إذا لم يبن له الأمر حتى يتفكر فيه ويشاور أهل الفقه لأنه مأمور بالقضاء بالحق، ولا يستدرك ذلك إلا بالتأمل والمشورة)

ومهما كان من أمر، فالأصل في القضاء الاجتهاد، ولا يكون إلا كذلك، لأن النصوص محدودة، والوقائع لا حد لها، ولا ينقطع الاجتهاد في المسائل الجزئية أبداً، ومن قال بسد باب الاجتهاد، إنما أراد به الاجتهاد في غير موضع الحاجة أو الاجتهاد المطلق، أما الاجتهاد عند وقوع الواقعة لا بد من معرفة حكم الله فيها، أو عند تبدل العزف الذي بني عليه الحكم الاجتهادي، فلم يمنعه أحد ولم ينقطع أبداً، ولا يقلد في هذا الموطن إلا عصبي أو غبي كما قال القاضي أبو عبيد علي بن الحسين بن حرب:

قال الطحاوي (أبو جعفر الإمام الحنفي الكبير)، وكان كاتب هذا القاضي: كان أبو عبيد يذاكرني بالمسائل فأجبته يوماً في مسألة فقال لي: ما هذا قول أبي حنيفة، فقلت له: أيها

<<  <  ج:
ص:  >  >>