للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأقوم هذا العوج مداعباً لصاحبه، ملاطفاً له، ثم يبلغني أنه قد سعى إلي في بيتي مساء الاثنين الماضي فلما لم يجدني فيه ترك لي تحيته ومودته وانصرف. ثم أكتب عن شهرزاد، فلا يكاد يظهر حديثي عن شهرزاد حتى أتلقى من صديقي توفيق هذا الكتاب صباح الخميس. لا يحمله إلي البريد، وإنما يحمله ساع خاص ولا يكتبه توفيق بخطه وإنما يضربه على الآلة الكاتبة ضرباً، ويتفضل الصديق فيمضيه بخطه. ولست اعرف آية في الأدب والمودة والوفاء وصدق الرأي في الأدب والنقد، والصلة بين الكتاب والناقدين تشبه هذا الكتاب. ولا غرابة في هذا، فتوفيق قد عاهدنا على ألا يكتب إلا كان مبدعاً مبتكراً. وأنا أنشر نص هذا الكتاب لأنه سيكون باقياً على الدهر، ولأنه سيقع من الكتاب والناقدين في هذا العصر موقع تلك الوصية التي زعموا أن عبد الحميد قد أذاعها في الكتاب القدماء آخر أيام بني أمية.

قال الصديق توفيق الحكيم:

عزيزي الدكتور طه حسين

يظهر أني سيئ الحظ معك أو أنك سيئ الحظ معي هذا الأسبوع، فلقد قرأت مقالك عن شهرزاد وما أحسبنا تلاقينا فيه عند رأي، فأما قولك أنى أدخلت في الأدب العربي فناً جديداً وأتيت بحدث لم يسبقني إليه أحد، فهذا إسراف سبق لي أن أشرت إليه في خطاب مني إليك عن أدب الجاحظ ذكرت فيه يومئذ أن للجاحظ ملكة في إنشاء الحوار تذكرنا ببعض كتاب المسرح من الغربيين. فما أنا إذن بمبتدع وإنما أنا أحد السائرين في طريق شقه الشرق من قبل. وأما نصيب قصصي من البقاء فلست اعتقد أن لنا قد معاصر حق الجزم به، وما بلغت من البساطة حد تصديق ناقد يتكلم في هذا. فان الزمن وحده هو الكفيل بالحكم للأعمال بالبقاء. فأنا كما ترى لا اسمح لنفسي بقبول مثل هذا الثناء. كذلك لست اسمح لأحد أن يخاطبني بلسان التشجيع، فما أنا في حاجة إلى ذلك، فإني منذ أمد بعيد اعرف ما اصنع. ولقد أنفقت الأعوام أراجع ما أكتب قبل أن انشر وأذيع. كما أنى لست في حاجة إلى أن يملي علي ناقد قراءة بعينها، فإني منذ زمن طويل اعرف ماذا اقرأ. وما أخالك تجهل إني قرأت في الفلسفة القديمة والحديثة وحدها ما لا يقل عما قرأت أنت: - وما أحسبك كذلك تجهل أني اعرف الناس بما عندي من نقص، واعلم الناس بما احتاج إليه

<<  <  ج:
ص:  >  >>