والليلة أكدت العزم. فتناولت غذائي وحيدة في مطعم بشارع أكسفورد، ثم سرت في ميدان بيكادللي فهايماركت ثم على الشاطئ حيث عدت إلى ميدان ليستر، وجلست على كرسي وسط الحديقة الصغيرة حتى أقبل رجل سكران قذر وجلس بجواري، فقمت وعاودت المسير متأملة الناس أجمعين. . . مئات بعد مئات منهم. . . يتدفقون خروجاً من الملاهي ويزحمون الأفاريز. . . فكان في الواقع شعوراً مثيراً. . . ولا تستطيع إدراك هذا الأمر - كما أعلم - لأنك رجل قضيت حياتك غير مراقب ولا مدلل. . . بل شجعت على أن تكون طليقاً حراً. . . ولكن بالنسبة لي فقد هزني ذلك الأمر. وكنت وحيدة سيدة نفسي إطلاقا. . . وأدركت مبلغ جهدي وتعبي، فعرجت على أحد المشارب وتناولت فنجاناً من الشكولاته. وكان يشغل المائدة المجاورة لي سيدتان مزعجتان وشاب عليه سيماء المجد وقد بدأتا تعاركانه، ولو أن ما قالتاه له كان من البذاءة بمكان إلا أنه كان مضحكا للغاية، وفي النهاية خرجوا جميعاً وهم يتشاتمون كالمعتاد!! عندئذ خرجت ثانية وقد تبدل كل شيء، فقد اختفى الزحام وهدأت حركة المرور اللهم إلا بضع سيارات تجري مسرعة، فأسرعت الخطى - لأنني رأيت النساء حولي يتلكأن - قاصدة بيكاديللي. ولم أكد أحاذي بيركلاي حتى انفجر أحد المصابيح المعلقة في وسط الشارع فأزعجني وراعني انفجاره المفاجئ فضحكت من نفسي وابتدأت أقلل من سرعتي وأخذت أراقب كل شيء حولي،. . . فوجوه الناس من أغرب وأدهش ما لاحظت. . . ثم. . . ثم. . . أوه يا عزيزي (تسبل جفونها متخيلة لمدة دقيقة) ثم ابتسم لي رجل، وظننت لأول وهلة أنني أعرفه، فتلفت حولي ولكنه بقى واقفاً مكانه، ثم أخذ يتأثرني، فأسرعت دقات قلبي وحاولت أن أستجمع شتات أعصابي النافرة عسى أن تخمد وألتمس في هدوء نفسي طريق الخلاص، ولكنني عجزت، وعلى غير وعي مني جريت إلى الجانب الآخر من الشارع، ومن المؤكد أنه سخر مني، وفي شارع كرزن أخذت ألوم نفسي بعد أن استجمعت قواي. . . لقد كنت جبانة. . . ضعيفة. . . غبية. . . وعلى ذلك، وزيادة في معاقبة نفسي من أجل فقدانها الشجاعة والإقدام لا من أجل شيء آخر، فكرت أن أستسلم لأي رجل كان. . . أوه، أنا أعلم أنه شيء مهين حقير. . . لا تنظر إلي هكذا. . . ولكن تذكر أن هذا كان نتيجة دراسة الشهور بل السنين الطويلة