يتكون مكان الحبشة من شعوب مختلفة، لا تختلف فيما بينها في الجنس فحسب، وإنما تختلف أيضاً في اللغة وفي الشكل وفي العادات وفي الدين. ويطلق خطأ على كتلة هذه الشعوب اسم (الأحباش) فهؤلاء لا يمثلون في الواقع إلا جزءا من هذه الشعوب يبلغ ثلث عدد سكان الحبشة الذي يتراوح بين ٨ , ١٢ مليون نسمة على أرجح التقديرات. ويحتل الأحباش مقاطعتي تيجري والأمهرة وشمال مقاطعة جوجام وجزءا من وسط مقاطعة شوا، وتشمل هذه المقاطعات أكثر من ثلث مساحة الإقليم. ويتكون الجزء الأكبر من بقية السكان من فروع مختلفة من شعب الجلا العظيم الذي أخذ يغزو الإقليم منذ بدء القرن السادس عشر الميلادي واحتل جزاء كبيرا منه.
وتنتشر على طول الحافة الشرقية تلك القبائل المسلمة المعروفة باسم الدناقل والإيشا والصوماليين، وأخيراً توجد في الجنوب الشرقي قبائل أوغادن. وتعيش على هامش هذه القبائل الرئيسية السابقة وفي ثناياها أخلاط غريبة من الشعوب التي تميزها صفات خاصة، ولعل أكثر هذه الشعوب غرابة هي الغلاشة اليهودية التي تحتل خاصة منطقة جبال سيمين شمال بحيرة تانا، ثم الجوارج التي تعيش في المنطقة التي تحمل هذا الاسم في جنوب شرقي أديس أبابا.
الأحباس:
الأحباش شعب محارب وهم على استعداد دائم للحرب، إذا يحمل كل رجل منهم بندقية باستمرار. وهم شعب فخور باستقلاله الذي تمتع به قرونا طويلة، فخور بدينه الذي احتفظ به خلال ألف وخمسمائة عام، فقد ظلت الحبشة أربعة عشر قرنا، وهي أرض المسيحية في وسط هذه البحار من الوثنية. ومن صفاتهم المعيبة غلظتهم وقسوتهم الشديدة وسيما على الحيوان. ويحيط بالحاكم أو الرئيس أعداد كبيرة من الجند، وهؤلاء في العادة كسالى ولا نفع لهم. ولا تعني الطبقات الفقيرة بالأخلاق، فالخمور منتشرة والأمراض الخبيثة تفتك بهم فضلا عن أمراض الجذام والعمى، ولعل ذلك يرجع إلى كثرة الذباب الذي ينقل جراثيم هذه الأمراض، وإذا شعر الحبشي بالمرض يدب في جسمه أيقن بأن نهايته قد دنت وفقد كل أمل في الشفاه.