والخاتمة عند أمين كأبسط وأروع ما يمكن أن تكون التفاتة بسيطة ذات دلالة عميقة تكفي عنده لأن تكون عقدة القصة. وقصة (طريق الدنس) التي عرضنا لها تعتبر مثالا عاليا لذلك. وتوجد عنده عدة قصص يصور فيها شخصية (البروجوازي) كما تسميه الاشتراكيون، أذكر له قصة اتفق لي أن قرأتها له في إحدى المجلات ولا أدري لماذا لم يضمها إلى هذه المجموعة وهي (الحلوى المسمومة) فقد صور فيها مدى استغلال البروجوازية لعماله. وقد تعدى ذلك لأعراضهم، وله في تصوير هذه الشخصية في هذه المجموعة قصة (صفقة رابحة) و (السيد) وأنه ليعطينا صورة لا تقل عظمة عن تمثيلية (السيد) لموليير وإن كان هذا نموذج للسيد المصري وفرق كبير بين السيدين. أقلهما البيئة وعواملها مع المزاج والثقافة. كما يوجد فرق كبير بين الكاتبين في طريق المعالجة.
ويصدر الأستاذ أمين مجموعة بقصة (أفراح السماء)، وهي قصة إنسانية عالية تصف الطفولة وتشردها. قصة طفلة تتضور جوعا باحثة عن لقمة، تهديها حاستها أو معدتها إلى بائع طعمية تقف أمام دكانه تستنشق رائحتها المحببة، ولا تسل عن خواطرها حينئذ، ولا عن تصوير الكاتب لها، ولكنها أخيراً تتشجع وتطلب منه واحدة؛ فإذا بصاحب المحل الرجل الضخم يجيبها بصفعة هائلة فلم تولول ولم تتألم طويلا فقد تعودت مثل ذلك وكان أن جففت دموعها، وأصلحت أسمالها، وابتعدت عنه قليلا حيث واراها الظلام، وحيث أسندت رأسها المثقل جالسة على الرصيف بعد أن اطمأنت على مكان كوز أعقاب السجاير بين ركبتيها. وابتدأت قصة حلم رائع إذ تقدم منها شاب وسيم شكت إليه جوعها فحملها إلى القصور التي يعلو وصفها على قصور ألف ليلة وليلة، وكان أن رأت هناك استقبالا واحتفاء ومأكلا ونعيما وسعادة بجوار ذلك الشاب الوسيم ما كانت لتحلم به أو لتفكر فيه يوما فتتمتم شاكرة له: إنك لملك كريم. وبعد فراغها من حلمها اللذيذ يكون قد جاء الصباح وعاد صاحب محل الطعمية جلادها بالأمس إلى محله؛ فيجد هذه قريبة منه فتأخذه بها شفقة بعد أن تذكر ما كان منه بالأمس؛ فيحركها موقظا لها فإذا بها جثة هامدة!! ترفرف روحها في السماء. وهذه القصة تذكرني بقصة (بائعة الثقاب) لهانس أندرسون الكاتب النمساوي، وهي أيضاً حلم طفلة تضورت طوال يومها جوعا في البرد وفي ليلة عيد الميلاد ومع ذلك لم تبع شيئا من أعواد الثقاب التي تحملها فخافت أن تعود إلى أبويها؛ فجلست بجوار جدار