أن تعتمد علي). ومن صداقة الوالي نشأت صداقة ابنه سعيد باشا لفردينان، ولولاهما لكان من الممكن جدا أن يخفق في أمر الفتاة. وليس شك في أن أحوال البيئة التي ظهر فيها محمد علي، ومنطق التاريخ في زمانه وتصرفه بسياسة اثبت حكمتها علو شأنه، أمور تؤيد هذه الحقائق. وإذا قال التاريخ بوقوع إرشاد له وإسعاد فان هذا القول ليس يصغر من جلال عبقرية سمت بصاحبها إلى أوج سودده ومجده: إذ أنقذ مصر من الفوضى وأحياها، ومنحها ملكا واسعا وعرشاً زعزع العرش العثماني المجيد، ولم يثبت أمامه سوى إجماع الدول العظمى.
ولما وقعت المذابح بسورية، في ٩ من يوليه عام ١٨٦٠، رفع الأمير عبد القادر الجزائري العلم الفرنسي على داره بدمشق، وحمى الفرنسيين هو ومن معه من أبناء الجزائر، وأعاد النظام إلى المدينة فمنحه نابليون الثالث الوشاح الأكبر لجوقة الشرف، وعظم أمل الفرنسيين في الأمير حتى طلبت صحفهم إنشاء إمبراطورية شرقية تضم جميع سكان العرب في سورية ولبنان والعراق وشبه جزيرة العرب. وهذا المشروع الفرنسي لم يعقبه أي إجراء فيه. لكن الإنجليز وجسوا بسبب النفوذ الذي أصبح يومئذ للأمير الجزائري في سورية فراقبوا أعماله ومسالكه مراقبة دقيقة؛ وكان شأنهم مع أولاده أن شغل أولئك الإنجليز واجسهم منذ أصبح الأمير رمز المصلحة الفرنسية في الشرق حتى اجتهدوا، عند انتهاء الحرب العالمية الأولى، في الحط من سمعة أمراء الجزائر لإبعادهم عن سورية حيث كانوا عقبة أمام السياسة الإنجليزية.
وكان من الشروط في عقد الشركة التي حفرت قناة السويس أن تملك جميع الأراضي البور التي تحييها في جانب القناة. وكانت نية ده لسبس أن يروى خمسة عشر ألف فدان من الصحراء في جانبها الغربي بمياه ترعة من النيل، وأن يستميل بدو سينا إلى سكناها؛ وقصد أن يوجد الثقة في قلوبهم بدعوته الأمير عبد القادر الجزائري، عام ١٨٦٧ إلى زيارة الأعمال الجارية يومئذ في القناة وبتمليكه خمسمائة فدان في بئر بلاح جنوبي نفيشه. وقد شرع الأمير بحث البدو على التجمع حول منشات الشركة عازماً على إسكان واحد من أبنائه بينهم ليعيش معهم، ساعياً بوجاهته لإصابة الغرض. فأوجس بالمرستون خيفة من هذا المشروع الذي يلائم مصلحة الشركة ويوائم السياسة الفرنسية في آن معا: إذ رأى فيه