رغب أن يبدى لولده مبلغ حبه وإخلاصه له - على مرأى من شعبه ورعيته فهم والقدح في يده وقال:
(بني العزيز (توليق). . . فتح من الله ونصر مبين. . . والنصر آية من آيات رسوله ونبيه. . .)
فارتفع صوت الحشد يترنم بأنشودة حماسية تمجد نصر النبي؛ ثم عاد سلطان فقال:(إن الله عظيم خبير. . . لقد جدد قوته ومضائي في ولدي الأروع. . . إني لأبصر بعيني الغائرتين عندما يغيب شعاع الشمس عنهما إلى الأبد، وعندما يدب الفناء إلى قلبي النابض وأقضي نحبي. . . أني سأحيا ثانية في نفس أخرى. . . في نفس ولدي. . . فسبحانك اللهم أنت الإله الأوحد الجبار. . . لقد رزقتني ولداً عظيما صلبا الساعد، ثابت الجأش رزين العقل. . . فاللهم إني اشهد بوحدانيتك وقدرتك، وأشهد أن محمد رسولك ونبيك.
أبني توليق. . . ماذا تبغي أن تقدم لك يد أبيك؟. اذكر ما تود، وسأمنحك إياه.)
وخفت صوت السلطان رويداً حينما أخذ (توليق الجلي) يتأهب لإعلان رغبته، وقد تألقت عيناه تألق الحر في ضوء القمر. . . عيناه اللتان كأنهما عينا النسر وهو يحوم بقلة الجبل. . . قال أخيراً:
- مولاي وأبت. . . امنحني الفتاة القوزاقية. . .)
وصمت الوالد ليهدئ من روعه، ويسكن من نفسه المضطربة وفؤاده الجياش. . . وبعد برهة رفع صوته ثابتاً لا ينم عما يعتمل بنفسه:(. . . خذها. . . عندما يختتم الحفل).
شملت البهجة والمراح قلب (الجلي). . . وتألقت عيناه النسريتان بدموع الفرح. . . وقال لوالده السلطان في حب وبر:
- أي والدي ومولاي. . . إني لأقدر مبلغ هديتك إياي. . . إني لأقدره حق قدره. . . إني ابنك بل قل عبدك المخلص لك. . . خذ دمي. . . قطرة في كل لحظة. . . سأموت أكثر من ميتة فداء لك. . . يا أبت ويا مولاي. . .)
فقال السلطان وقد طأطأ رأسه إلى الأرض - رأسه الذي طالما كلله بالنصر بآياته سنوات متتاليات - (إني لأرغب عن كل شيء)
آذنت الوليمة بالانتهاء، فهم السلطان وولده يسيران من القصر إلى دار الحريم. . .