راوية زهير، وهدبة بن خشرم راوية الحطيئة، وجميل عذرة راوية هدبة، وكثير خزاعة راوية جميل. وكانت مهمة الرواية لا تقتصر على حفظ الأشعار؛ وإنما كانت تجمع إلى حفظ الأشعار شرح ما فيها من إشارة، وإيضاح ما فيها من انبهام، وحكاية ما أحاطها من ظروف.
كانت رواية الشعر في أثناء الجاهلية وفي خلال النصف الأول من القرن الأول هوية يقصد بها التلهي وتزجية الفراغ؛ ولكنها أخذت بعد ذلك تصطبغ بصبغة المهنة، وتلبس لبوس العمل الذي يرجى منه الكسب. وبعد أن كان كل راو مختصا بشاعر واحد في أغلب الأمر، يفرغ له ويعكف على شعره حفظا ورواية وشرحا؛ أخذ الرواة يكونون طبقة خاصة، تعنى بحفظ الكثير من الشعر القديم والمعارف المتنوعة. فلما بدأ تدوين الشعر في أخريات القرن الأول للهجرة، كان الكثير من أشعار الجاهلية وأخبارها دائراً على الألسنة والشفاه.
إذن فالرواة هم الذين حفظوا لنا الشعر القديم، ونقلوه إلينا؛ ولكن ليس معنى هذا أنهم قد أدوا إلينا كل هذا الشعر القديم. فقد امتدت يد العفاء إلى كثير من هذا الشعر. ذلك لأن كثيرا من الرواة قتلوا في الحروب، أو توفاهم الله، دون أن يخلفوا وراءهم من يصل روايتهم وينتهي بها إلى غايتها. هذا إلى أن قبائل كاملة، ومعها رواتها، قد انتشرت في البلاد البعيدة بداعي الغزو والفتح، فنسيت لغة صحرائها وأخبار جاهليتها وأشعار شعرائها الأقدمين. كذلك ليس معنى هذا أن ما وصلنا من الشعر القديم قد وصلنا سالماً صحيحا. ذلك لأنه قد زيد عليه أشياء، وسقطت منه أشياء، وأبدل فيه شيء من شيء؛ وهو ما يرجع السبب فيه إلى طبيعة الرواية الشهية وقصور الواعية الإنسانية.
قلنا إن رواية الشعر كانت في الجاهلية وصدر القرن الأول الهجري هَوِيّة يُقصد بها التلهّي وتزجية الفراغ، وإنها أصبحت بعد ذلك عملا يرجى من وراءه الكسب. ونقول الآن إن هذا التطور الذي لحق رواية الشعر ليس إلا صدى لتطور لحق الحياة والناس. ذلك لأن العصر الإسلامي الجديد لم يلبث طويلا. حتى أتى بوجوه من الحياة جديدة، وميول نفسية جديدة؛ وحتى صرف معظم المسلمين عن الشعر القديم، ذلك الشعر الذي أصبح يمثل روح الظلال والكفر، إلى ما يعود عليهم بالخير في الدنيا والآخرة، ألا وهو القرآن والحديث. وهكذا أخذت صناعة الشعر كما يفهمها القدماء في الاضمحلال والذبول وأخذت أشعار الجاهلية